لم يخطر ببالي أني سأعيش لحظات عصيبة أثناء وقفة الانتظار في المعبر... لم أصدق أنه على بعد أمتار مني ,توجد قطعة مني...من وطني ...مدينة سبتة... لكن ممنوع علي الدخول اليها الابعد اجراءات...المعبر ضيق,ومن وراء السياج,هنا ك... يقف في هيبة شيخ وقور, جبل شامخ, شموخ بلادي... لكن حزنا عميقا باد عليه,وكأنه يشكو آلام السنين وجراحات الماضي...وكان قلبه متعب بحكايا الوطن واسرار الزمن... وسرح فكري, اتخيل شخصيات ربما عبروا من هناك ... ادباء ,علماء كانوا او متصوفة فضلوا الانزواء فوق القمة من اجل التعبد أوالتأ مل في بهاء الارض الطيبة وروعة جمالها ...ثم خلتني اسمع صهيل خيول وجياد عربية اصيلة وعلى صهوتها أ بطال وفرسان أفذاذ مروا من هناك...حاملين الرسائل والسلاح أو من هنا ,عبر هذا المعبر ,حيث أقف ألآن,والذي ربما كان ذات يوم حقلا , ضيعة اوبستانا لجد من أجدادي...وسرح فكري أتخيل اسراب الطيور العائدة من الأندلس تتنقل حرة طليقة في الفضاء الرحب الواسع, من غير تأشيرة وجواز السفر... المعبر ضيق ,واحساسي بالظلم والحيف في حق وطني يزداد, ولأول مرة عرفت حقيقة المحنةالتي يعيشها الانسان الفلسطيني ومعاناته على أرضه,وشعرت بذلك الاحساس الرهيب, وتلك المرارة,التي يتجرعها كل يوم ليجتازالمعابر, ويجبرعلى الوقوف فيها لساعات طوال ,وهوعلى بعد أمتارمن أرضه,أ و حقله,أ و مكان عمله,أوبيته الذي سرق منه في وضح النهار, ولم يبق في يده غيرمفتاح أرهقه الانتظارلانصاف التاريخ ,وخذلته وعودالمجتمع الدولي بتحقيق العدالة واسترجاع الأرض... وعادت ذاكرتي يوم توقفت ابكي مع "صفية" في رواية "عائد الى حيفا" لغسان كنفاني...حين وقفت وجها لوجه مع المحتل في قلب بيتها الذي كان لا يزال كل ركن فيه يشهد لها بحقها فيه .حتى الوردات الخمس التي وضعتها بالمزهرية منذ عشرين سنة كانت ما تزال هناك ...بل حتى ابنها سرقوه منها وغيروا له الاسم والهوية... ما أبشع الاحتلال..وما أقبح وجهه المخيف..انتابني شعور بالحزن ورغبة في البكاء وانا املأ تلك الاستمارة :اسمي الشخصي والعائلي, رقم جواز السفر وعنوان اقامتي,و..و..و.. المعبر ضيق ومحاط بالحواجز ورجال الأمن ,أكاد أختنق وأنا أرى نساء ورجالا يعبرون في صمت تحت حر شمس محرقة وعلى ظهورهم يحملون سلعهم وأشياءهم... أتراهم يحسون مثلي بنفس المرارة التي اتجرعها في هذه اللحظات التي تمر ثقيلة , وكأن عقارب الساعة توقفت لتشكو لي ثقل الزمن عليها ورغبتها في الرجوع الى الوراء لعل التاريخ يعيد الحق إلى أهله. ووقفت انتظر...والامر من ذلك ,انه يجب ان ينظر الشرطي إلى وجهي ليتأكد من هويتي "أنا" .أنا ابنة الدا.....ر. وهو "الغريب "على ارضي: تلك التي أراها أمامي هي: سبتة السليبة ,أرضي وجزء لا يتجزأ من وطني الغالي