عندما تشعر بألم في أي مكان من جسدك تبادر فورا إلى طبيب مختص لفحص جسدك وتحديد محل الألم ونوعه وتحرص على التأكد من ضبط الوصفة العلاجية لمكافحة الألم ، وذاك أمر محمود والمبادرة إليه مطلوب ومشكور، لأن الجسد أمانة لدى صاحبه يجب عليه رعايته والحفاظ عليه ليكون صحيحا سليما . ولكنا عند التأمل نرى أن الكثير منا يغفل عن مرض فتاك ويتغافل عن آلام جد خطيرة وضارة للإنسان ويتساهل عن معالجتها بينما هي أشد فتكا والمبادرة إلى علاجها أشد وجوبا بل هو فرض عين لازم، إنها أمراض القلوب التي حددها العلماء ووصفوا أعراضها الكثيرة وبينوا أن أخطرها أمراض الحسد والعجب والكبر وشبهها وبينوا أعراضها وعلاجها.. فكان على كل مسلم أن يبادر للكشف عن قلبه فإذا وجد هذه الأمراض أو بعضها بادر بقلع جذورها وقطع أسبابها ووجب تطبيبها والبحث عن علاجها الناجع, وأن يسعى بجد وحزم لتطبيق الوصفة الطبية الشرعية لعلاج تلك الأمراض, حتى تغيب هذه الأمراض عن سوداء قلبه وتغادر أرضية فؤاده ويقطع دابرها حتى لا تنبت مرة أخرى في حديقة حياته, لأن المسلم إذا رزق قلبا سليما من هذه الأمراض وغيرها وجب عليه العناية بقلبه وتفقده كما يتفقد جسده بل أشد, كما أن عليه وقاية قلبه من أسباب مرض القلوب التي تتسرب إلى القلب وذلك بسلوك الطرق الصحية واتباع الإرشادات الشرعية التي تبين سبل تطهير القلب وتجنبه أسباب التردي فيتبع إشارات السلامة ويبتعد عن المنحنيات الخطيرة التي توقعه في الشبهات والشهوات وهي اكبر منعطفات توصل الإنسان إلى أعظم البلاءات, وهي أخطر ما يتسرب إلى القلب فيزيغ عن الهدى والحق. ومن هنا كان من أفضل الوصفات الطبية، ومن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أن تقف بين يدي ربك بذل وانكسار قلب، وإشعارك لنفسك بفقرك وحاجتك إلى مولاك وخالقك وربك سبحانه، فبالذل والانكسار تزيل عن قلبك العجب والكبر وتطرد أنفته ويسهل عليك قيادة نفسك وجماحها ، وهذه من الحكم العظيمة في محاربة الذنوب وربط القلوب بعلام الغيوب، وإذا غفوت فبادر بالتوب، واعلم أن التائب يفرح الله بتوبته، إذا وقف بين يدي ربه محزون الفؤاد، نادما منكسرا، أواها منيبا، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ) 0 ولذلك اجتبى الله آدم وداود بعد الذنب ، ورفع درجتهما لما تابا، فكم من ذنب أدخل صاحبه الجنة لما تاب منه وأناب، وكم من طاعة أدخلت صاحبها النار لما تمسك منها بالتكبر والإعجاب كما قال بعض السلف رحمهم الله، وهذا يعني أن صاحب الذنب تاب وندم وأقلع وانكسر قلبه لله ووقف بين يدي معبوده بذل وانكسار . وأخرج الإمام أحمد في مسنده عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا يقضي الله قضاءه للعبد إلا كان خيرا له " قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- : حتى قضاء المعصية على العبد إذا ندم وتاب واستغفر وأناب كانت تلك المعصية في حقه خيراً, قال ابن القيم – رحمه الله – وهذا يدخل في عموم قوله تعالى: ( وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) وقوله : ( فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ) وأخرج الإمام مسلم عنه صلى الله عليه وسلم قوله : " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك إلا للمؤمن" ، ومن هنا كان على السالكين والمربين طرق هذا الباب في مجالسهم ولقاءاتهم ليبنوا جيلاً طاهر القلب نظيفاً من ثقل النظر على متع الحياة متحرراً من منافسة أقرانه عليها. اسلاميات / متابعة