هاجم الأكاديمي عبد العلي الودغيري خالد الصمدي، كاتب الدولة المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، لقوله إن “سياسة التعريب فشلت، عقب اكتفاء السياسات العمومية باعتمادها في الأقسام الأولى فقط، وعدم إيصالها إلى مُدرَّجات الجامعة”، معتبر أنه “يكاد يمر علينا يوم إلا ونُصفع صفعةً قوية توقظنا من غفلتنا، وتؤكد لنا كم كنا مخدوعين عندما اعتقدنا أن رجالاً من الحزب الذي طالما رفعَ شعار الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية والمرجعية الإسلامية، هم الذين سوف يعزِّزون هذه الهوية ويعملون على التمكين للغة الأمة العربية الإسلامية وتقوية وجودها”. الأكاديمي انتقد الصمدي، في تدوينة له على الفايسبوك، أبدى فيها استغرابه كيف قال الصمدي إن التعريب فشل، مبرزا أنه بهذا “ردد خطاب أعداء العربية وخصومها الألِدَّة، ولا يقول الحقيقة وهي أن التعريب أُفشِل عن قصد وتعمُّد. أفشلَه الذين رفضوا مواصلة تعريب الجامعة بشكل تدريجي من الحكومات السابقة، وأفشلَته الحكومةُ الحالية التي يقودها حزب العدالة والتنمية بتواطؤ سافر مع التيار الفرنكفوني وحُلفائه. بل لقد ذَبَحته من الوريد إلى الوريد حين قرَّرت الرجوع بالمغرب أربعين سنة إلى الوراء ومحو تجربة التعريب التي اكتسبت فيها البلادُ خبرة جيدة كان يمكن أن تستفيد منها دولٌ عربية وإسلامية كثيرة، َوتكوَّنَ خلالها جيلٌ من الأساتذة القادرين على تدريس كافة المواد العلمية بالعربية والتأليف بها وإغناء العربية بالمصطلحات المناسبة، وكان من السهل تطويرها ونقلها إلى التعليم العالي بشكل تدريجي ومدروس ومخطَّط له بعناية”. وسجل الودغيري أن الحكومة “التي لا طعم لها ولا لون، تخلت عن كل الكفاح المرير الذي خاضه الصادقون من زعماء هذا البلد وكبار علمائه ومفكّريه واللامعين من مثقفيه من أجل إعطاء لغة البلاد مكانتَها المرموقة في كل المجالات. ولست أدري كيف يمكن تصوُّر تطوير اللغة العربية في المغرب بعدما تقرَّر قصُّ أجنحتها وتقليصُ دورها لينحصر في تعليم المواد الدينية والأدبية والاجتماعية بالمدارس الابتدائية والثانوية (وحتى هذه المواد يمكن التراجع عن تعريبها في يوم من الأيام بمقتضى الصياغة الملتبسة التي وردت في القانون الإطار)؟ وإذا كان الذي أفشل التعريب هو عدم إيصاله إلى مدرَّجات الجامعة كما قال السيد كاتب الدولة، فمَن الذي يُحاسَب على هذا التقصير في إيصال التعريب إلى الجامعة، سواء في الفترة السابقة لكم أم في هذه الفترة التي تقودون فيها الحكومة منذ أكثر من سبع سنوات، رغم أنه كان بإمكانكم استثمار الميثاق الوطني للتعليم(1999) الذي ينص على إمكانية فتح مسالك لتدريس المواد العلمية بالعربية في التعليم العالي؟ ثم على أي أساس حكَمتم على فشل تجربة استعمال العربية في تدريس المواد العلمية، ونحن لم نطلّع لا منكم ولا من غيركم على حجة علمية ولا دراسة ميدانية واحدة ذات مصداقية تؤكد ما تقولون وتثبت صحة هذا الفشل المزعوم؟”. وعن قول الصمدي “إن اللغة التي لا يُمارَس بها البحث العلمي وتُعاني الفقر على المستويين المعجمي والمصطلحي، لا يمكن أن تنجح في فترة ما قبل الجامعة”، أجاب الودغيري: “التعريب لم يفشل فقط لأنكم والحكومات السابقة رفضتم إيصاله ومدَّ قنواته تدريجيًا إلى التعليم العالي، ولكنه أُفشِل بإرادة وعزم من حكومتكم ومن كل مَن يؤمن بمثل هذه الحجة الواهية القائمة على فكرتين: الأولى تقول: إن العربية فقيرة في المعجم والمصطلح وعدم وجود المراجع وعدم قدرة الأساتذة … وهلم جرًا مما تعوّدنا على سماعه من الأراجيف. وهذا حكم قيمة كان يمكن أن يُنظرَ فيه حين كانت العربية في بداية عصر نهضتها الحديثة أوائل القرن التاسع عشر، أما اليوم فوضعُ العربية من كل النواحي مختلف تماماً عما كانت عليه قبل قرنين من التطور الإيجابي والنهضة الحثيثة التي لا يلتفت لها الكثيرون. وكأن الذين يقولون مثل هذا الكلام لا يعلمون كم راكَمَته تجربةُ العربية خلال الفترة السابقة من آلاف المصطلحات ومئات القواميس العلمية في كل التخصُّصات الدقيقة وقد وضعها وأشرف عليها علماء متخصّصون ومجامع لغوية كبيرة ومراكز أبحاث وجامعات ممتدة على طول خريطة العالم العربي، ولا أحد يريد أن ينظر فيها أو ينفض الغبار عنها، وفي مقدمتهم وزراء التعليم العالي ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات. والثانية: تقول: إن العربية غير صالحة لتدريس العلوم في الابتدائي والثانوي لأنها لا تُستعمَل في البحث العلمي الجامعي (ويقصد البحث في مجلات العلوم الدقيقة). مع أن التعليم في المدارس الابتدائية والثانوية لا علاقة له بالبحث العلمي. وعندما يصل الطالب إلى مرحلة ممارسة البحث العلمي إذ ذاك يمكننا مناقشة ما هي اللغة أو اللغات الصالحة لذلك. ولو سلمنا جدلاً بأن العربية لم تصبح بعد لغةً للبحث العلمي في الجامعات، فهل الفرنسية التي تفرضونها على المغاربة بمقتضى القانون هي لغةُ العلم؟ ثم كيف يمكن للعربية أن تصبح لغة بحث وعلم وهي تُطردُ ويُرمى بها بعيدًا عن كل المجالات العلمية والتقنية منذ المراحل التعليمية الأولى، وعن كل إمكانية لتطويرها وتنميتها وإغنائها؟ وما الذي كان عليكم أن تفعلوه ولم تفعلوه في سبيل خدمة مستقبل هذه اللغة وجعلها قادرة على أن تكون لغةَ بحث علمي جامعي؟ وهل يُنتظَر منكم شيءٌ إيجابي بعد الذي فعلتموه في حق لغة أمتكم وحضارتكم؟”.