في ما جرى يميل الكثير من المتتبعين للشأن الحزبي الى تبسيط ما شهده حزب الاصالة والمعاصرة وابتذاله بجعله صراع أشخاص، أو صراع قيادات. ويميل الكثير من الكتبة من داخل الحزب نفسه إلى ردود أقرب الى التلاسن منها الى الرصانة في تحليل الحدث وتفسيره والخوض في أبعاده وأسبابه. إن من شأن مثل هذه الطريقة في تناول ما جرى أن تفوت الفرص الكثيرة التي أتاحتها الواقعة، لفهمها أولا، ولتغيير ما يجب، عبرة للمستقبل. وإذا كان لامناص من الإقرار بأهمية مساهمة القيادات، فمن الموضوعية أيضا الاعتراف بأن ما شهده اجتماع اللجنة التحضيرية يوم 18 ماي، هو تجلي لحراك داخلي، خاضته قواعد وقيادات تنتمي الى وضعيات ومشارب عمرية واجتماعية وجغرافية مختلفة، بسبب الاستياء العام من جملة من الممارسات التي طبعت تسيير الحزب، تراكمت عبر الزمن، في خضم انشغال الحزب بأمور خارجية غطت كثيرا عن الاحتقان الداخلي. ومن جملة ما يجب تسجيله من ممارسات: 1- انعدام الإنصاف، واستبدال مبدأ المكافأة على أساس النضال والاستحقاق بقاعدة التقرب من صاحب القرار، الشيء الذي أنتج طبقة ريعية أصبحت قوية ومؤثرة في القرار الحزبي، وميالة الى استدامة الممارسات الريعية وإنتاج شروط استدامة الريع حفاظا على مصالحها، ومن ذلك أنها تعمل على إغراق الأمين العام في معارك تافهة، وصرف نظر الهياكل عن العمل الحقيقي والمناضلين الحقيقيين، وهذا ما يسمى التهميش المولد للاحتقان. 2- عدم اشتغال دورة النخب، حيث عكس شعارات تحرير الطاقات، جرى تهميشها واقصاؤها، فتراجع الكثيرون عن النضال، إذ لا يمكن لأي أحد أن يشتغل لتستفيد الطبقة الريعية، وقد أدى ذلك الى استقالة هادئة للكثير من الكفاءات والطاقات التي جذبها وهج البداية في مشروع الاصالة والمعاصرة. ولمن يسأل عن سبب الشلل التنظيمي فليتلمسه في هذين العاملين، ولمن يريد أن يبني حزبا للمستقبل ليعيد الأمل للمغاربة عليه اولا ان يفكر في حكامة حقيقية للاداء الحزبي، ويحصن التنظيم بمبادىء الديمقراطية والعدالة والإنصاف، آنذاك سيعود المناضلون الى تحريك آلة الحزب، وإلا فالغرق في مستنقع التاريخ.