لازال هناك لغز استقالة الدكتور أحمد الريسوني من حزب العدالة والتنمية و مغادرة صفوفه مع حمل متابعته وهمومه إلى اليوم محيرا وغير مفهوم ويلح علينا في السؤال والتأويل،خاصة كلما حدث ما هو قريب منه أوشبيه له في الظروف والدعاوي وإن اختلفت مقامات الأشخاص و وجاهة الأسباب،الحزب كما هو معروف يرأسه رئيس الحكومة السابق السيد عبد الإله بنكيران،وصحيح أن الرجلين مدرستين وتوجهين وكفائتين مختلفتين وإن كانا ولا زالا في نفس المرجعية الإسلامية ونفس الإطار الحركي لحركة التوحيد والإصلاح المغربية المباركة وهي اندماج كلي سابق لحركتي"الإصلاح والتجديد"و"رابطة المستقبل الإسلامي"والتي كان قد بدأ برآستها الفقيه الريسوني وكان تحت إمرته السيد بنكيران،في حين أن السيد الريسوني في الحزب لم يخضع لرئاسة السيد بنكيران؟؟. * إن الموضوع كما يبدو ليس موضوع الرجلين ولا التوجهين العلمي الريسوني ولا السياسي البنكيراني،ولا حتى بين المجالين والعملين السياسي القطري المحلي والعمل القومي العلمي العالمي،فالرجلين يحملان نفس المشروع الحركي التجديدي والدعوي الإصلاحي،التشاركي المنفتح والوسطي المعتدل،مشاركة لا مغالبة وتعاون على الخير مع الغير وإصلاح في ظل الاستقرار ونتحمل ما نطيق وندع ما لا نطيق.. ،فلا السيد بنكيران يستعجل فيه ويخوض غمار الإصلاح في بلده بوجهه السياسي وبما هو ممكن،ولا السيد الريسوني يتريث ويقعد لإصلاح أعمق و أوسع عبر التأليف العلمي المقاصدي العالمي،ولا حتى كما يقال بأن الشيخ الريسوني كفاءة علمية ورجل الأمة ليس من الحكمة أن تستحوذ عليه حتى حركته الدعوية فبالأخرى أن يخنق في المجال السياسي وأفقه الضيق والمسدود أحيانا؟؟ولكن قد تبدو الأمور معقدة أكثر من ذلك:
* فهل السيد بنكيران،أكثر جرأة وموضوعية مثلا وإن اكتفى بالعمل السياسي المحلي على مستوى البلد،وهل السيد الريسوني أكثر طموحا وتأصيلا فلم يقتنع بغير العمل الفقهي الموسوعي والعالمي على قلة المتخصصين والناجحين فيه،فأصبح مهموما بقضايا الأمة في فلسطين والعراق وما ابتليت به من "الدواعش" وانتشر فيها من "الفواحش" وديكتاتوريات الحكام في مصر واليمن وسوريا الشام والتنطعات المتطرفة في نجيريا والصومال والتي يكتوي بنيرانها وضيق فهمها وفظيع تصرفها الأبرياء،رغم أن السيد قد فشل في السياسة التي أرغمته على الاستقالة من رئاسة الحركة سابقا،كما فشل السيد بنكيران في التربية فهرب إلى السياسة التي تفوق فيها على الأقل في جمع وقيادة ما كان يتحسس من الحركة الدعوية من العموم أو ينتفض حولها من الإخوان إلى الحزب السياسي؟؟.
* هل الأمور أعمق وأخطر من كل ذلك،وتتجاوز الرجلين إلى مأزق الحركة الإسلامية - إن جاز التعبير- هذا المأزق الذي لم يعد يتيح لها في نظر السيد بنكيران غير الانخراط في إصلاح بلادها والاندماج في سياستها على أمل إصلاح ما يمكن إصلاحه من الداخل وعبر المؤسسات،في حين أن السيد الريسوني لازال يرى في الأمر قسطا من الحرية والاختيار وامتلاك القرار والاشتغال في مقاصد الحركة الإسلامية وبرامجها الدعوية والإصلاحية لا مقاصد وبرامج الآخرين كيفما كانوا،ولو بالهجرة أو"الحريك" الدعوي إلى ما يسمى بالعمل على مستوى الأمة التي تظل هي أيضا في أمس الحاجة إلى الإصلاح؟؟ أم أن الأمر كله مجرد العطاء الشمولي للحركة الإسلامية المغربية وخاصة حركة التوحيد والإصلاح التي تؤمن في مواثيقها بالإصلاح الديني وتجديد التدين وترشيده على مستوى الفرد والأسرة والوطن والأمة وطبعا حسب الطاقات والإمكانيات ومن تم فالأمر كله توزيع الأدوار والمواقع وسد الثغرات وتنمية الاتجاهات والتراكمات وكل ميسر لما خلق له؟؟.
* هل السيد الريسوني على نفس تصور السيد بنكيران،الذي يضحي بوضوح بكل شيء من أجل خدمة البلاد والمساهمة في إنقاذها في هذه المرحلة الحرجة لثورات الربيع العربي المتأججة الفوارة ولو على حساب المشروع الحزبي والحركي الذي ربما لم تسعفه الظروف الاجتماعية والسياسية ليتم نموه ورشده بشكل طبيعي،وينخرط في الشأن الوطني أيضا بشكل طبيعي غير محرج ولا مشوه،ومن تم ابتعد عن الحراك السياسي حتى لا يُحرِج ولا يُحرَج؟؟ولماذا السيد الريسوني و رغم خلافه البين مع السيد بنكيران،فهو لا يزعجه بل ترك له المكان في الحزب حتى يعمل على راحته،بل و يثني دائما على تجربته الحكومية ويعتبرها ناجحة بكل المقاييس،وإن كان فيما سبق يرى ضرورة إسراعها أكثر في الإنجاز كما ونوعا وإنصافا للفئات وعدلا بين المناطق،والآن لا يفوت عليها فرصة إلا وصفعها في كل ما تقدم عليه أو فقط يحدث كحوادث مدبرة أوعابرة،وقد تابع الجميع ذلك على العديد من المواقع الإعلامية وإلى اليوم حيث تشتد لذغات ولسعات الرجل اتجاه الحزب؟؟.
* لماذا لم يكن السيد الريسوني كالسيد"عبد الله باها" الذي يبدو أنه - رحمه الله - قد تلاشت أو تجلت حكمته في فساد الزمان،فبقي السند الفعلي والعملي للسيد بنكيران وعلبته السوداء - كما كان يصرح بذلك - مهما كانت الظروف والنتائج،وتحمل من أجل ذلك وزارة دولة بدون حقيبة رغم عنائها المعنوي عليه في حين أن السيد الريسوني استنكف عن ذلك وهو مؤهل لبعضه لو شاء وتواضع،وهنا تحية خاصة للسيد"الرميد"الذي رغم مواقفه التاريخية المعروفة مع السيد بنكيران تحمل معه وباعتباره المؤسساتي كل العناء ونزل عند شورى أخوانه وحزبه فقبل ترشيحهم إياه للاستوزار وهمومه الشاقة،وحسب المختصين والمتتبعين المنصفين فقد أبلى السيد الوزير في وزارته البلاء الحسن وحقق فيها الكثير من التراكم والانجاز في اتجاه ما يستلزمه البناء والإصلاح؟؟.
* واليوم والحزب العدالي على مشارف مؤتمره الثامن دجنبر2017،أثيرت بقوة مسألة التمديد بولاية ثالثة للسيد بنكيران على رأس الأمانة العامة للحزب،وذهب فيها العداليون كل مذهب بين مؤيد ومندد ومن حقهم،رغم بعض الأصوات القيادية التي تدعو وتصر على أن يترك ذلك النقاش والحسم فيه إلى داخل المؤسسات وكأننا لا نعرف أن مداولات المؤتمرين والمؤتمرات لا تتعدى الدقيقة والدقيقتين وأن الرأي والموقف لا تغيره القرارات مهما كانت ملزمة ومهما نزل عندها الجميع؟؟.وهكذا في سابقة من نوعها يقمع الرأي والرأي الآخر والتداول الحر وإنضاجه العمومي بحجة تفويت الفرصة على المتربصين بالحزب وبالساعين لخلق صراعات وهمية بين أبنائه وقياداته،وكأن الحزب هش إلى هذه الدرجة أو أن مؤتمر الحزب شأن داخلي وليس وطني، ولا يهم غير المنخرطين في الحزب وليس غيرهم من المواطنين،أو أن كل مسؤولية المواطنين المساكين الطيبين المغفلين أن يمنحوا الحزب أصواتهم في الانتخابات على بياض ولا شأن لهم بشيء بعد ذلك؟؟.في هذه الأجواء والمرحلة الحرجة التي يمر بها الجميع،يصرح السيد الريسوني من زمان بتحديد عدد الولايات الانتدابية والانتخابية والبرلمانية والرءاسية للجميع حتى تكبح شهوة الزعامة وتكون الهيئات هيئات مؤسسات و رؤى وقوانين لا هيئات أشخاص وميولات وربما كولسات غير مشروعة،في حين صرح السيد بنكيران أيضا ومنذ زمان أن قائد الفريق إذا وجد من لاعبيه أقواهم وأمهرهم فلماذا سيغيرهم وهم ناجحون؟؟،ترى من سيكسب الرهان التحديد أم التمديد..الريسوني أم بنكيران...السياسي الحزبي أم الحركي الدعوي؟؟،هذا الأمر الذي يرى فيه العديد من المحللين أنه جوهر الإشكال الحقيقي رغم كل المظاهر الأزمة الأخرى و رغم كل الاجتهادات التي حاولت تحديد العلاقة بين الحزب والحركة من الوصل والفصل إلى الشراكة والتعاون و وحدة المشروع واستقلالية التنظيم إلى فصل الدعوي عن السياسي والعزل التام والتمايز الواضح بينهما،وكل هذا يبدو اليوم على المحك الحقيقي وتظهر مصارعه للعيان ما دام كل الأفق الديمقراطي للحركيين والحزبيين على السواء - رغم تغير الظروف وتجدد المتطلبات - لا يتجاوز منتوجاتهم السياسية المثالية وبعض مقولاتهم الإصلاحية المحنطة وعلى رأسها مسألة الفصل والوصل أو على الأصح الوصل رغم الفصل وعنه تفرعت كل الإشكالات الحالية وعلى رأسها مسألة تحديد عدد الولايات من تمديدها،ومسألة القيادة قبل الرؤية،ومسألة إعادة "المارد" إلى القمم بأي شكل من الأشكال؟؟.