سلط الجمع العام الوطني الخامس لحركة التوحيد والإصلاح، الذي انعقد أيام 08 و 09 و 10 آب أغسطس الجاري بالعاصمة المغربية الرباط، تحت شعار "الإصلاح تعاون ومسؤولية"، الضوء مجددا حول تجربة "التوحيد والإصلاح" أبرز الحركات الإسلامية بالمغرب، وأثار حولها مجموعة من الأسئلة خصوصا فيما يتعلق بنجاحها في التعايش مع الدولة في ظل سياق "خريف عربي" جعل أولى أهدافه استئصال الحركات الإسلامية بدول الربيع العربي أو على الأقل تقليم أجنحتها ولو مؤقتا، وهو الأمر الذي حصل في مصر وسوريا وليبيا فيما نجت منه تونس وموريتانيا والجزائر لكن أمامها أفق شبه مسدود وشروط غير مساعدة على إيجاد مكان بين باقي الفاعلين في المشهد العام. وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تمكنت من تجاوز فخاخ الربيع العربي ونجت من موجة الخريف التي ما تزال تداعياته تتلاحق، فإن ذلك لا يعني أن طريقها كانت معبدة بالورود أو أن الإكراهات والتحديات التي اعترضتها لم تكن بالحجم الذي تعرضت له الحركات الإسلامية في دول الربيع العربي، فحركة التوحيد والإصلاح وشريكها الاستراتيجي حزب العدالة والتنمية لم ينجحا بسهولة في اجتياز محطات صعبة قدمتا من خلالهما "تنازلات" لكنهما حققا عديد من المكتسبات لعل أهمها؛ تجنبهما السقوط في خطوات تجني عليهما العزلة والتهميش أو الحظر القانوني، ونجاحهما في الإقناع بنموذج التغيير السلمي والهادئ والذي أطلقا عليه إبان اندلاع احتجاجات 20 فبراير 2011، "الإصلاح في ظل الاستقرار". مجلة البيان وبمناسبة المؤتمر الوطني الخامس لحركة التوحيد والإصلاح، والذي عرف حضورا وازنا لرموز وقيادات العمل الإسلامي بعدد من الدول العربية والإسلامية تبسط في هذا التقرير عناصر قوة الحركة وتكشف أهم مُقومات نجاح مشروعها الدعوي والتربوي وترصد مواقفها بعد المشاركة السياسية وتجربة شريكها الاستراتيجي حزب العدالة والتنمية في الحُكم. عبد الرحيم الشيخي يخلف محمد الحمداوي أسفر الجمع العام الوطني الخامس لحركة التوحيد والإصلاح عن انتخاب عبد الرحيم شيخي رئيسا جديدا خلفا للمُهندس محمد الحمداوي الذي قاد الحركة لولايتين متتاليتين بعدما حضي بثقة 296 مندوب بنسبة بلغت حوالي 55 بالمائة، متقدما على الدكتور أحمد الريسوني الذي حصل على 200 صوت، وذلك بعد ثلاث جولات من التصويت والاقتراع السري، الأولى أفرزت عن خمسة أسماء جرى النقاش والتداول بشأنهم من طرف حوالي 70 مُنتدب للجمع العام حول كفاءتهم العلمية والعملية والأهلية القيادية للحركة. وفي الجولة الثانية كان على المؤتمرين التصويت على اسم واحد من بين الأسماء الخمسة الأوائل في لائحة جولة التصويت الأولى، غير أنه لم يتمكن أي من المرشحين الخمسة الحصول على أغلبية مطلقة، إذ جاءت نتائجها مفاجئة حيث انتقل خامس الجولة الأولى عبد الرحيم الشيخي إلى المرتبة الأولى ب 202 صوت متقدما على أحمد الريسوني ب 171 صوت ومولاي عمر بن حماد ب 117 صوت، لكن النتيجة لم تكن تسمح لأي منهم بالظفر بالرئاسة لأن النظام الداخلي للحركة ينص على أن كل مترشح لرئاسة الحركة يجب أن يُحقق الأغلبية المطلقة أي أكثر من 51 بالمائة من مجموع الأصوات، لكن التنافس سينحسر بين الأول والثاني في جولة ثالثة من دون تداول أو نقاش جديد، والتي رجحت كفة عبد الرحيم شيخي. ويُعتبر الرئيس الجديد عبد الرحيم الشيخي، (48 عاما)، ثالث رئيس لحركة التوحيد والإصلاح بعد اندماج حركة "الإصلاح والتجديد" و "رابطة العمل الإسلامي" التي كان شيخي قياديا بارزا بها، سنة 1996، حيث ترأس الدكتور أحمد الريسوني الحركة منذ العام الذي تمت فيه الوحدة إلى سنة 2003 حيث سيقدم استقالته ثم أتم المهندس محمد الحمداوي ما تبقى من ولاية أحمد الريسوني إلى سنة 2006 حيث سينتخب رئيسا وستجدد فيه الثقة سنة 2010 إلى إلى 2014، وكان الشيخي يتولى مهمة منسق مجلس شورى الحركة في المكتب التنفيذي السابق وهي أعلى هيئة في مراتب المسؤولية التي تدرج عليها داخل حركة التوحيد والإصلاح. وتختار الحركة رئيسها ونائبيه ومكتبها التنفيذي، بناء على مقتضى النظام الداخلي للحركة خاصة المادة 13، وتنص على أنه يُرشح لرئاسة الحركة من بين أعضاء الجمع الوطني ممن لهم أقدمية عشر سنوات في التنظيم على الأقل، وسبق لهم أن كانوا أعضاء في إحدى الهيئات المركزية للحركة، كما أن من أنظمة الحركة أن الجمع العام هو من يُرشح للرئاسة ولا حق لأحد بالمؤتمر أن يُرشح نفسه. التوحيد والإصلاح... حركة مؤسسات بخلاف العديد من الحركات الإسلامية في العالم العربي، تتميز حركة التوحيد والإصلاح بكونها قطعت مع فكرة مشروعية القائد المؤسس أو الشيخ أو الزعيم سواء في حياته أو بعد مماته، ويوضح الأستاذ محمد الحمداوي الرئيس السابق هذه النقطة في مقالة سابقة له موسومة ب «من مشروعية المؤسسين إلى شرعية المؤسسات»، حيث يقول "حركة التوحيد والإصلاح انتقلت من مشروعية المؤسسين إلى مشروعية المؤسسات، ومن الارتباط العاطفي والوجداني بالزعماء والآباء المؤسسين إلى الالتزام والتعاقد على الأفكار والمبادئ والأهداف، ومن الاجتماع حول الشخص إلى الاجتماع حول القيم"، وتم ذلك يضيف الحمداوي على ثلاث أسس منهجية وهي؛ أولا؛ المرجعية العليا للكتاب والسنة وحدها فقط، ثانيا؛ القرار بالشورى المُلزمة، ثالثا؛ المسؤولية بالانتخاب وليس بالتعيين وفي جميع المستويات وبتحديد ولايتين فقط لكل مسؤول. وحسب مراقبين مهتمين بالحركة الإسلامية المغربية فإن المؤتمر الأخير لحركة التوحيد والإصلاح والذي بوأ المهندس الإحصائي عبد الرحيم شيخي رئيسا للحركة، جدد التأكيد على أن الحركة تجاوزت عقدة الزعامة وباتت تخضع لسلطة المؤسسات ومن بينها الانتخاب والتصويت والتداول والشورى، وبالتالي حقق نقلة نوعية سلسة وهادئة من الجيل المؤسس لأبرز الحركات الإسلامية بالمغرب إلى الجيل الثاني داخلها ويتمثل في الرئيس الجديد والذي تجاوز تجاوز أسماء لها وزنها التاريخي داخل الحركة أمثال محمد يتيم وسعد الدين العثماني ومولاي عمر بن حماد، وأيضا نسبة كبيرة من أعضاء المكتب التنفيذي. الحركة والدولة.. تعايش حذر رغم أن حركة التوحيد والإصلاح لم تكن تحضى بالاعتراف الرسمي من الدولة ولم تتمكن من الحصول على الوثائق الرسمية "الوصل القانوني" إلا خلال السنوات القليلة الأخيرة، إلا أنها كانت تشتغل بشكل عادي وتنظم أنشطتها منذ سنوات التأسيس الأولى في العلن، وقد كان ذلك خيارا استراتيجيا اتخذته قيادة الحركة منذ مرحلتها الأولى، حيث شددت على مسألة الوضوح في منهجية العمل والانسجام مع المنظومة الدينية والمذهبية للدولة والموقف من الملك باعتباره أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين. وبسبب وسطية واعتدال قياداتها كانت السلطات دائما تتعامل مع حركة التوحيد والإصلاح بمرونة، حيث لم تتعرض لتضييق أو حصار لكنها لم تحضى بالمقابل بامتيازات أو قرب من دوائر القرار في الدولة باستثناء الدرس الديني الذي ألقاه الرئيس الأسبق للحركة الدكتور أحمد الريسوني، سنة 2003 أمام الملك محمد السادس ضمن سلسلة دروس الحسنية التي يلقيها كوكبة من العلماء والدعاة وأصحاب الفكر عادة كل شهر رمضان أمام الملك، غير أنه بعد أحداث 16 مايو (أيار) "الإرهابية" من نفس السنة والتي هزت مدينة الدارالبيضاء، عانت الحركة من تشديد أمني على أنشطتها وتوسيع دائرة المراقبة على قياداتها وأعضاءها البارزين، بالموازاة مع حملة إعلامية تحريضية ضدها شنتها أحزاب سياسية وجمعيات مدنية علمانية. وستتضاعف معاناة الحركة مع الدولة أكثر بعد حوالي شهر على أحداث 16 مايو أيار "الإرهابية"، عقب حوار أجرته إحدى الصحف الفرنكفونية بالمغرب مع الدكتور أحمد الريسوني، وتعلق جزء منه بإمارة المؤمنين وتم إخراجه بكيفية مشوهة ومغالطة للحقيقة، ورغم تقديم الريسوني استقالته في حينه من رئاسة الحركة تقديرا لإمارة المؤمنين، وتحملا لمسؤولية الخطأ الذي وقع في ذلك الحوار، والآثار السلبية التي ترتبت عنه، حسب بيان توضيحي من المكتب التنفيذي للحركة صدر يومئذ بشأن الموضوع، فإن تشدد السلطة مع أنشطتها والرقابة الأمنية عليها لم يتراجع في عهد الرئيس السابق محمد الحمداوي الذي خلف الريسوني، حيث استمرت ضدها الحملة الإعلامية الداعية لاستئصالها وإبعاد رموزها عن المشهد العام في المغرب إلى حدود أواخر سنة 2010 وبداية 2011، فمع هبوب رياح الربيع الديمقراطي على المغرب ستعرف العلاقة بين الحركة والدولة انفراجا ما لبث أن توسع بعد تقلد شريكها الاستراتيجي حزب العدالة والتنمية السلطة في البلاد. من المُراجعات إلى الإجراءات يرجع تميز حركة التوحيد والإصلاح ونجاحها إلى عدة عوامل، فإلى جانب نُضج وحكمة قياداتها من جيل المؤسسين وتكوينهم خلف يحافظ على نفس مُرتكزات العمل والاشتغال وأغلبهم مر من الجناح الطلابي للحركة، تتميز حركة التوحيد والإصلاح كذلك بكونها استطاعت منذ زمن ليس باليسير من أجرأت كثير من المراجعات التي أخذت وقتا وجهدا كبيرا من النقاشات الساخنة والمعقدة، ما أسفر عن تحرير الفكر الديني من النزعة المشرقية ونحت فكر يتيح من الخصوصية المغربية فكان أن حصل تجديد قراءة كثير من القضايا خصوصا منها المعاصرة، بينها المرأة والتعامل مع الآخر، كما بوأت الفكر المقاصدي مكانة خاصة وقد لعب الدكتور أحمد الريسوني والدكتور سعد الدين العثماني دورا محوريا في إرساء علم المقاصد في فكر الحركة. إلى جانب ذلك، انتقلت الحركة من التوافق على مفهوم إقامة الدين بدل "إقامة الدولة" وذلك عن طريق التعاون مع الغير على الخير، والتمسك بالفكر الوسطي المعتدل واعتماد منهج التدرج في الإصلاح، بالإضافة إلى هذا عملت الحركة على تجديد بنيتها التنظيمية حيث انتقلت الحركة من التنظيم السري إلى الجماعة، ثم مرحلة التنظيم الهرمي ثم إلى مرحلة التنظيم الرسالي حيث تم الاعتماد على سياسة التخصصات (الطفولة المرأة الشباب) أي الانتقال من تصور يقوم على وحدة التنظيم إلى وحدة المشروع بتأثير متعدد الأبعاد وممتد، كما عملت أيضا على "تحديث" وسائل اشتغالها حيث أدخل الرئيس السابق محمد الحمداوي، تقنية التخطيط والبرمجة والتي تعتمد على تحديد الأهداف بالمشاكل لأول مرة بالحركة الإسلامية. الدعوي والسياسي.. تمايز لا فصل يشكل التمييز بين الدعوي والسياسي عند حركة التوحيد والإصلاح فرادة في العمل الإسلامي في الوطن العربي، وقد صاغ مشروع هذه الحركة التي خرج من رحمها حزب العدالة والتنمية الذي يقود الآن الحكومة في المغرب طرفان رئيسان؛ الأول أحمد الريسوني ومن معه، والذي وضع الأسس الفكرية لنمط من الفكر الديني الوسطي المعتدل، و الثاني هو عبد الإله بنكيران ومن معه، والذي صاغ المشروع السياسي للحركة، وهو مشروع إصلاحي واقعي وليس ثوري، يقوم على التوافق مع القصر الملكي والأحزاب اليسارية والليبرالية وينبذ الصراع والمواجهة معها. فبعدما أبرمت الحركة اتفاق تعاون مع حزب «الحركة الشعبية الدستورية» الذي كان يرأسه عبد الكريم الخطيب أحد رجال المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي بالمغرب، وجدت مسألة الوصل أو الفصل بين السياسي والدعوي وعلاقة الحزب بالحركة نفسها في صلب النقاشات الحادّة تُوجت بالوصول إلى صيغة توافقية في العلاقة بينهما، وتتمثل في التمييز لا الفصل بين السياسي والدعوي عن طريق التخصّص الوظيفي مع الشراكة الاستراتيجية بين المؤسسات. وعلى ذاك الأساس سُمح لأعضاء حركة التوحيد والإصلاح بممارسة العمل السياسي والبرلماني، فيما أخذت الحركة على عاتقها الاشتغال بالعمل الدعوي التربوي والتكويني الثقافي على المستوى الطلابي والنسائي والمجتمعي، وتُعد لذلك حملات مفتوحة بالساحات العامة بالمُدن والقرى وداخل فضاءات المؤسسات الجامعية تهمّ أساسا ترسيخ قيم العفة ومُحاربة الغش، ومؤخرا تبنت مواجهة الغلو والتطرف بعدما انبرى مئات الشباب المغاربة للهجرة إلى سوريا والعراق والالتحاق بتنظيمات مُسلحة، وهكذا لم تعد الحركة تتدخل في الحزب ولا الأخير ينخرط في معارك الهوية الدينية والقيم وحماية اللغة العربية والدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية. التعاون مع الغير على الخير من بين الأفكار التي دائما ما كان يؤكد عليها الرئيس السابق محمد الحمداوي ويتفق فيها معه جل قيادات الحركة بما فيهم الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني هي "التعاون مع الغير على الخير" لا كتكتيك مرحلي ولكن كاختيار استراتيجي، وهذا المسار سيستكمله الرئيس الجديد عبد الرحيم شيخي الذي يتميز برؤية منفتحة على التعاون مع كل القوى الوطنية، اليسارية واليمينية، حيث لا يعتبر "الآخر الإيديولوجي" خصما ونقيضا، بل ينظر إليه كشريك في البناء والإصلاح، وهو من هذه الجهة متأثر بأطروحة "الكتلة التاريخية" التي أصل لها المفكر المغربي محمد عابد الجابري. وأكدت ورقة التوجهات الاستراتيجية التي صادق عليها الجمع العام الأخير للحركة على وفائها لنهج مد اليد للآخر، فقد هيمنت لغة التعاون والتشارك والتوافق على مضامينها، حيث دعت إلى نقل قضية الإصلاح من قضية جماعة أو حزب أو طائفة إلى قضية كل الغيورين وكل الفرقاء الجادين مهما اختلفت مشاربهم وأطروحاتهم، كما دعت إلى التعامل مع الإصلاح كقيمة وثقافة بوصفه قضية وطن ومشروع أمة، وحذرت في المقابل من السقوط في الاصطفاف الإديولوجي أو الدخول في الصراع الفكري، وشددت على تفادي التقاطب المجتمعي على أساس من هو مع الإصلاح ومن هو ضده. ويفسر عبد الرحيم الشلفوات، الباحث بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة، هذه النقطة التي تتميز بها حركة التوحيد والإصلاح المغربية بالقول؛ "إن الحركة لا تطرح نفسها بديلا إحلاليا لأي فاعل مدني أو سياسي ولا تفكر في أن وجودها يقتضي اختفاء الآخرين، خصوصا من أهل الخير والفضل والصلاح وهم ليسوا بقلة في المجتمع المغربي"، وبمقتضى ذلك يضيف الشلفوات في حديثه لمجلة البيان "تترك الحركة في منهجها مجالا للآخر للتدافع والإسهام في إنبات بذور الخير في المجتمع وتثمن مبادرات الجميع من المحالفين والمخالفين مادام فيها خير ونفع لعموم الناس"، ويرى الشلفوات أن هذا المنهج الذي تعتمده حركة التوحيد والإصلاح سليم لكنه يستهلك وقتا أطول قبل ظهور النتائج. * المصدر: البيان