خلق مؤتمر حزب الاستقلال السابع عشر الحدث بعشاء الصحون الطائرة. فما من أحد كان سيخطر على باله أن يتحول مؤتمر حزب الاستقلال إلى حلبة لتراشق الأواني و الكراسي. و لكن منذ أن أصبح الأخ حميد شباط أمينا عاما و حزب الاستقلال ليس بخير. حيث انتقل مناضلوه من لغة الحوار إلى لغة العنف و البلطجة، و انتقلوا من نقاش الأفكار إلى نقاش الأشخاص و نشر الإشاعات. عندما هاتفني الكثير من الأصدقاء و الصديقات يتساءلون عما يقع و عما رأوه في اليوتوب و في الإعلام السمعي و هل أنا بخير؟ كنت أجيبهم ضاحكة: لا شيء، الأمور عادية، فقط الإعلام يبالغ... كنت أقرأ الاستغراب في عيونهم و في صوتهم و يعتقدون أنني اكذب عليهم و أنني أدافع عن حزبي. و لكنني كنت صادقة و أنا أخبرهم أن الأجواء عادية. و أنا أعيد رؤية فيديوهات الصحون الطائرة، فهمت لماذا بدا لي كل ما وقع أمرا عاديا. فمنذ أن أصبح الأخ حميد شباط أمينا عاما للحزب، و في مختلف الاجتماعات الحزبية التي حضرتها، أرى الكراسي تتقاذف أمامي. و مختلف المحطات السياسية، تنتهي فيما بيننا بالشتم و العنف اللفظي و الجسدي، و نعالج اختلافنا في الفكر و الطموح بنشر الإشاعات و بشن حملات فيسبوكية عنيفة لا نحترم فيها حرمة بعضنا و لا خصوصيتهم و لا وضعيتهم العائلية. هكذا كان عهد شباط، و بطريقة أو بأخرى ألفناه. و لهذا موقعة الصحون بدت لي أمرا عاديا . فهو الذي خاطبنا في أول مجلس وطني جمعنا به ليطلب منا أن نكون أقوياء، مؤكدا بأنه يحترم المناضل القوي و بأنه يفرح عندما يشتكي أحدهم بمناضل استقلالي و يأسف عندما يأتي مناضل يشتكي له لأن هذا يدل على أنه ضعيف و الأخ شباط لا يحترم الضعفاء. موقعة الصحون الطائرة، و وقعها على الرأي العام الوطني جعلتني أفكر في عهد شباط، و جعلتني أتذكر كل ما عشته في عهده و أنا أمارس حقي في النضال السياسي، من ضغط نفسي و لفظي و أحيانا جسدي، و كيف أن إنسانيتنا كادت أن تمرغ في الوحل و كيف أن كل شيء من كثرة ما رأيناه و عشناه ما بات يفزعنا أو يرعبنا أو يدهشنا. ألفنا الصراخ و الأكاذيب و المكائد و الخيانات و استعمال المال و الضغط على المناضلين في رزقهم و عملهم... فعهد شباط كانت صفحة بعيدة عن المبادئ و القيم و الأخلاق و النضال. لهذا أشعر بالقرف عندما أراه اليوم يقدم نفسه على أنه مرشح الشعب و مرشح ضد التحكم. هو الذي أدخل لأول مرة التحكم إلى حزب الاستقلال. فما زلت أتذكر المؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال، أول مؤتمر لم يقدر الحزب على أن يتوافق على أمينه العام، فترشح الأخ عبد الواحد الفاسي نجل علال الفاسي ضد الأخ حميد شباط. لا زلت أذكر عندما أعلنت موقفي مدعمة الأخ عبد الواحد الفاسي، كيف كان بعض المسئولين الحزبيين من أنصار شباط يطلبون مني تغيير موقفي مؤكدين لي بأن اللعبة أكبر من الجميع و بأني ما زلت صغيرة لأفهم السياسة و بأن شباط مرشح المخزن، و ما زلت أتذكر يوم الحسم كيف أخبرني أحد المستشارين الجماعيين و أنا أطلب منه ببراءة أن يدعم الأخ عبد الواحد الفاسي، كيف أخبرني بأن صناديق الاقتراع محسومة للأخ حميد شباط و بأنه كمستشار جماعي ألف الانتخابات و فهم قواعدها و يعرف لغة الإشارات و بأن الشيوخ و المقدمين مع شباط. نظرت إليه باستغراب و استنكار غير مصدقة لكلامه إلى أن صدمت بالنتائج. لهذا اشعر بالقرف عندما يدعي بأنه يترشح ليحارب التحكم و بأن الأخ نزار بركة مرشح المخزن. فلو كان الأخ نزار بركة مرشح المخزن، ما وقف في حياد أمام مختلف الأطراف في الصراع المحموم الذي وقع بين الأخ حميد شباط و باقي أعضاء اللجنة التنفيذية، أصدقاؤه بالأمس. و لو كان الأخ نزار بركة مرشح المخزن لكان أمينا عاما منذ ستة أشهر مضت، و لو كان الأخ نزار بركة مرشح المخزن ما كان ليتفاوض مع مختلف الأطراف مؤكدا في كل مرة بأنه يسعى إلى وحدة الحزب و لا يريد أن يقصي أي طرف على حساب طرف آخر. اليوم الأخ حميد شباط يقدم نفسه كمرشح للشعب، هو الذي أدخل في اللجنة التنفيذية التي كانت تضم خيرة أطر الحزب، كل من هب و دب، و أقصى جناح الحزبيين الذي كان يقوده الأخ عبد الواحد الفاسي من اللجنة التنفيذية و من مختلف التنظيمات الحزبية، و قوى الأعيان و أصحاب المال على حساب الأطر و المناضلين. و لو كان الأخ حميد شباط يحارب التحكم كما يدعي و يدافع على استقلالية القرار الحزبي كما يتظاهر، فكان عليه أن يدعم الأخ نزار بركة و يسانده في ترشيحه ليكون للحزب مرشح قوي و مسنود لا يبحث عن الدعم المشروط من أي جهة كانت. و لكن الأخ حميد شباط ألف اللعب ثم اللعب و فقط اللعب، و مساره السياسي و النقابي سلسلة من الألاعيب التي لا تنتهي. اللعب مع الأجهزة، اللعب مع المناضلين، اللعب مع الشعب، اللعب مع القيادات... فالأخ حميد شباط لا يمكن أن يكون مرشح الشعب أو مرشحا ضد المخزن، و لكنه فقط يراوغ لربح الوقت لأنه يأمل أن يرتكب الأخ نزار بركة خطآ سياسيا ليعود إلى أحضان أصدقاء الأمس ليتحالف معهم. و عن نفسي، سواء أكان شباط مرشح الشعب أو مرشح المخزن، فلن أصوت عليه. فأن نقطع مع عهد شباط السياسي يعني أن نتصالح جديا مع مختلف مكونات المجتمع بعيدا عن منطق الاسترزاق، و يعني أيضا القضاء على أسطوانة المخزن الذي يستعمله مختلف السياسيين للوصول إلى الزعامات و المناصب لنكتشف بعدها بأنهم كانوا أكثر مخزنية من المخزن نفسه... و ما بنكيران و شباط و آخرون إلا صورة مصغرة عن مغرب سياسي بني حول صراع وهمي بين المخزن و الأحزاب و ظل يدور في حلقة مفرغة راح ضحيتها الشعب و الوطن. أمل مسعود