يتسكعون ويتسولون ويقتاتون على بقايا الأطعمة ويشمون "السيليسيون" أصبحت ظاهرة الأطفال المشردين، تمثل لوحة من اللوحات المحزنة بمدينة طنجة، ويزداد الحزن والقلق حينما نلاحظ تناميها يوما عن يوم وبشكل مخيف بكل أحياء المدينة، وبالساحات العمومية ومواقف السيارات والأماكن المهجورة والحدائق والمحطات الطرقية وبداخل الميناء، حيث يقضون ساعات طويلة من يومهم، أو يومهم كله، يبحثون عن فرصة للاختباء تحت هيكل شاحنة دولية طمعا في العبور إلى الضفة الأخرى. بطنجة لابد أن يستوقفك مشهد من المشاهد اليومية المحزنة، التي يكون أبطالها دائما أطفال تحت سن 18 عاما، الذين تجدهم بحالة يرثى لها تحت وطأة البرد والجوع يستجدون من يساعدهم على استكمال ثمن «سندويش»، قبل أن يرغمهم الجوع على الاختلاط في مجموعات تضم مجرمين ومنحرفين راشدين يبحثون عن إشباع رغباتهم الجنسية، ويدفعون بهم إلى امتهان حرف تساعدهم على السرقة والنشل، كمسح زجاج السيارات أو بيع مناديل ورقية في الشوارع الرئيسية والطرقات. طنجة تجعلك تشعر بالحسرة والألم، وأنت تشاهد هؤلاء الأطفال، في سن أبنائك أو إخوتك، بهيئتهم المزرية وملابسهم المهترئة، التي تظهر من تحتها الأوساخ المتراكة على أجسادهم النحيلة، وهم يتسكعون ويتسولون أو يعانون الجوع ويقتاتون على بقايا الأطعمة ويشمون «سيليسيون». وشهدت الأسابيع الأخيرة، حوادث مؤلمة في صفوف هؤلاء المشردين، كانت آخرها الأحد الماضي، حين أوقفت عناصر الشرطة السياحية بريطانيا يبلغ من العمر 59 سنة، متلبسا بمحاولة اغتصاب قاصر متشرد يبلغ من العمر 13 سنة، اصطحبه معه من ميناء طنجةالمدينة، بعد أن أغراه بمبلغ مالي لا يتعدى 40 درهما، واختلى به داخل مقبرة سيدي بوعبيد بالمدينة القديمة لإشباع شهواته المرضية. إلى ذلك، عثر سكان شارع فاس، الأسبوع الماضي، على طفل مشرد لا يتعدى عمره ثلاث سنوات، ملقى بإحدى زوايا شارع فاس، وهو في حالة غيبوبة تامة، ليتم نقله إلى المستشفى الإقليمي محمد الخامس لإسعافه وإنقاذ حياته. ووصل الطفل المجهول الهوية، إلى قسم المستعجلات في حالة سيئة جدا، نتيجة معاناته من شدة البرد وسوء التغذية والتعب، إذ عملت الأطقم الطبية على تقديم الرعاية الطبية له، وإجراء الفحوصات والتطعيمات اللازمة، قبل وضعه في قسم الأطفال، وفتح ملف طبي له إلى حين استرجاع عافيته، لإحالته على دار الرعاية الاجتماعية إن كان متخلى عنه. وكان المستشفى الأقليمي محمد الخامس بطنجة، استقبل خلال الأسابيع الماضية عشرات من الأطفال المشردين، الذين وصلوا إلى المستشفى في حالة سيئة جدا، نتيجة قساوة الطقس وسوء التغذية، وتحت وطأة الاستغلالات الجنسية، منهم من عثر عليه في قعر حاوية قمامة كان يلجأ إليها للاحتماء من البرد ، إذ عملت الفرق الطبية على تقديم كل العلاجات الطبية والمساعدات اللازمة، من أدوية وملابس يساهم بها بعض المحسنين، قبل أن يعودوا من جديد إلى الصقيع والعراء لتتكرر المأساة من جديد. وذكر مصدر طبي، أن أغلب الأطفال المشردين بالمدينة، الذين يقدر عددهم بالمئات، يعانون أمراضا مختلفة، كالتفويد والجرب والملاريا والأنزيما وغيرها من الأمراض الجلدية، وكذا أمراض الجهاز التنفسي وأمراض الصدر، كالسل ولسانيوس، وهي أمراض خطيرة ومميتة، خاصة إذ ما تعرض المصاب بها لنزلات البرد أو كان يعاني سوء التغذية، بالإضافة إلى التسممات الغذائية الناتجة عن أكل أطعمة فاسدة انتهت صلاحيتها أو تلك التي يجمعونها من القمامة ويأكلونها. وطرحت هذه القضية، نقاشات مستفيضة بين فاعلين حقوقيين وجمعويين، الذين شددوا على ضرورة إحداث فضاءات اجتماعية لتجميع الأطفال المشردين والعناية بهم، خاصة أن أغلب الحملات التي تشهدها المدينة لتجميع هذه الفئة تنتهي بترحيلهم وتوزيعهم على مدن أخرى، إذ سرعان ما يعودون من جديد إلى شوارع المدينة ليظلوا عرضة للجوع والتسول، وفي كثير من الأحيان لأشياء أخرى. المختار الرمشي (طنجة)