للصيام في الإسلام مكانة خاصة ومرتبة عظيمة، فهو فرصة سانحة لتزكية النفس وتهذيب الأخلاق، ومناسبة مهمة لتدريب الذات وترويض الشهوات. كما يعد وسيلة تقَيّد النزعات السيئة وتكبح جماح الرغبات والميولات الشاذة. فالعطش يُعلّم الصبر ويُلَيِّنُ القلوب الخاشعة. والجوع يذكر النفس بحال الأكباد الجائعة، والكف عن شهوة الفرج يُطهر النفس من غرائزها الحيوانية، ويرتقي بالروح إلى عوالم الطهر والنقاء والعفة والصفاء. ويستمد الصيام عظمته وقدسيته من كونه سراًّ بين العبد وربه، لا يَطَّلِع عليه أحد، ومن دخله بنية صادقة خرج منه بشهادة الاستقامة، وكان من الناجين في الدنيا والآخرة. تعريف الصيام الصيام لغة الإمساك، وشرعا الإمساك عن شَهْوتَيْ البطن والفرج من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية العبادة. وهو الركن الرابع في الإسلام فرضه الله على المسلمين في السَّنة الثانية من الهجرة، ودليل فرضيته في القرآن الكريم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم ْلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]. وعلامة وجوبه في السنة النبوية قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضانوحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا). رواه البخاري ومسلم. شروط الصيام تنقسم شروط الصيام إلى ثلاثة أنواع هي شروط الوجوب، وشروط الصحة، وشروط الوجوب والصحة معاً. أما شروط الوجوب فثلاثة؛ أولها البلوغ لأن الصوم لا يجب على الصبي ولو كان مراهقاً، وثانيها القدرة فلا حرج على المسلم إذا عجز عن الصوم لكبر أو مرض. وثالثها الإقامة لأن المسافر لا يصوم وله أن يفطر ويقضي. أما شروط الصحة فثلاثة أيضا؛ أولها النية المبيتة في القلب، وثانيها التمييز حيث لا يصح صيام الصبي حتى يميز مقصد العبادات ومعناها. وثالثها الزمان القابل للصوم حيث يبطل هذا الأخير في الأيام المحرمة كيوم العيد. أما شروط الوجوب والصحة معاً، فثلاثة هي الأخرى؛ أولها الإسلام لأن صوم الكافر غير مقبول. وثانيها العقل لأن القلم مرفوع عن المجنون حتى يفيق. وثالثها الطهارة من دم الحيض والنفاس لأن الصوم يحرم على الحائض والنفساء ويجب عليهما القضاء. أركان الصيام للصيام رُكنان أساسيان يحميان بُنيانه الروحي العظيم من الانهيار، ويحفظان مقاصده الدينية الجليلة من الزَّلَلِ. وبدون هذين الركنين معاً، لا يصح الصوم أبدا، ولا يثبت أجر الصائم. فالركن الأول هو النية أي عزم القلب على الصوم امتثالاً لأمر الله عز وجل و تقرُّباً إليه. فإن كان الصوم فرضاً وجبت النية ليلا قبل طلوع الفجر، وإن كان الصوم تطوعا صَحَّت النية ولو بعد طلوع الفجر. أما الركن الثاني للصوم فهو الإمساك، أي الكف عن الشهوات والألفاظ البذيئة والمفطرات بجميع أنواعها من أكل وشرب وجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.