سبق و أن ذكرت بأن مدرسة الصنائع و الفنون الوطنية المتواجدة بتطوان قامت على مر السنين بدور هام في تلقين المهارات الحرفية والمحافظة عليها و نقلها الى الأجيال المتعاقبة ، و تتضمن مجموعة من الورشات المتخصصة في نقل هذا الابداع على أكمل وجه. أخص اليوم بالذكر محترف الحدادة الفنية، الذي أنشأ بالمدرسة منذ البداية أي سنة 1929. وكان المعلم الزراد العياشي أول من تخصص فيه لتكييف الحديد وفق الحاجيات أنذاك . ويرأسه اليوم السيد محمد الخنشوف الذي لازال سائرا على نهج أسلافه لايصال أسرار هذه الصنعة لمتطلبات عصرنا و احتياجاتنا الحالية مع الحفاظ على الطريقة التقليدية التراثية القديمة. مضيفا لها الجانب الحسي الفني و الابداعي المستوحى من الصانع نفسه و الذي يجتهد في إعطائه اللمسة الفنية التي تكسب كل التحف مزيدا من الرونق و الجمالية، فينصب الاهتمام على تقديم منتجات قديمة بلمسة جديدة كالشبابيك و الأبواب و الفوانيس والثريات و الكراسي و كل ما نحتاجه في حياتنا اليومية من أثاث و أواني. الجميل في هذا كله أن المعلم الصانع بمعية التلاميذ المهتمين بالمجال قدموا و لا زالوا يقدمون قطعا غاية في الاناقة و الاتقان لأنهم جعلوا الحديد مادة لينة، تتأقلم و تتحول مع أناملهم الذهبية لينتجوا لنا كل ما يمكن تصورإنتاجه باعتمادهم على الصفائح و قضبان الحديد فقط. و يتم الاشتغال بهذه المادة وفق ثلاث مراحل: الاولى متمثلة في تعلم التلاميذ فن الرسم على الورق، و الثانية في الزخرفة المعتمدة على التسطير و التوريق، و أخرها تعلم مختلف تقنيات الحدادة الفنية كالنقش و التخريم والتبسيط و التقبيب و التلحيم و غيرها. و يبقى الحس الفني من نصيب كل مبدع و فنان في هذا المجال. وقد عرفت المدرسة مؤخرا صحوة غير مسبوقة في هذا المجال و غيره من المجالات التي سأخصها بالذكر في مقالات لاحقة: كل صنعة على حدى، لنكتشف معا أسرار عدة فنون كانت ركيزة عيش التطوانيين الذين مرروها لهذا الجيل المتلهف لمعرفة خباياها قصد الحفاظ عليها و تجديدها وفق احتياجات عهدنا لنجد في النهاية بأن هناك من لا يزال وفيا لعهد قديم وحمل على عاتقه مسؤولية التشبث بالاصالة و العراقة و الأصالة و الرقي ... أمنة أحرات