"نظرة الأسرة المغربية للمدرسة: التمثلات الاجتماعية والتطلعات التربوية للإصلاح" مداخلة الباحث السوسيولوجي "عبد الرحيم العطري" أعدها للنشر ذ.محسن إشحا. في سياق استعراضه لتمثلات الأسرة المغربية ونظرتها لدور المدرسة في تربية الأبناء، أكد الباحث السوسيولوجي الدكتور "عبد الرحيم العطري" أن الأسرة باعتبارها المشتل الأولي لتأسيس الهوية الثقافية وبناء الشخصية القاعدية لذا الناشئة ولكونها الوحدة الاجتماعية الأساسية لإعادة الانتاج الاجتماعي، لا يمكن إغفالها في أي سياسية تربوية عمومية، لكن الواقع في بلدنا أشبه بقصة "الطفل والثلاث تفاحات" (ففي درس للحساب رسمت المعلمة على السبورة ثلاثة تفاحات وسألت التلميذ النجيب: كم لدينا من تفاحة؟ فأجاب أربع تفاحات... استغربت المدرسة الموقف وأعادت المحاولة مرارا حتى أخرج الطفل تفاحة رابعة من جيبه...) إنها التفاحة الرابعة الحاضرة في المعادلة المتوارية عن الأنظار، إنها الأسرة التي تتوارى عن الأنظار وعن حسابات الشأن التعليمي المدرسي، مما يخلق أزمة تربوية، تتغذى من واقع وتمثلات نابعة من التحولات الاجتماعية الجارية والانتقال من قيم الجماعة إلى قيم الفرد. هكذا أصبحنا أمام أسرة بيولوجية وظيفتها الإنجاب والإيواء، تعيش حالة أشبه ب"الاستقالة" على مستوى علاقتها بالمدرسة، تنشغل فيها الأم بالطفل دراسيا وهاجسها الأساسي هو النتيجة ويغيب دور الأب، واقع كرسه اكتساح تكنولوجيا الاتصال وتداعياته على التتبع والتواصل بين الآباء والأبناء حتى ساد في هذه العلاقة نوع من القطيعة والجمود، وهو الشيء الذي ينعكس على جمعيات الآباء والأمهات (التي كان من الأولى تسميتها بجمعية الأمهات) في حالة من الفراغ والغياب عن القيام بالأدوار المنوطة بها، أدوار انحصرت في استخلاص واجبات الانخراط في بداية كل سنة دراسية. سجل الدكتور عبد الرحيم العطري انتشار ثقافة معادية للمؤسسة ولرموزها، إذ تبين دراسة ظاهرة الخربشة على الجدران والطاولات والسبورات وجود هذه الحالة، فمن خلال نموذج الانتشار الواسع لرسم علامة (×)... مرفوقة بعبارة "إضغط هنا ليختفي الأستاذ"، تظهر الرغبة في القتل الرمزي للفاعل التربوي، رغبة تأتي مدفوعة بخطاب "المظلومية" والهجوم على المؤسسة (الإدارة والمدرس) الخطاب الذي أصبح منتشرا بين الأسرة وفي الشارع المغربي... الشيء الذي صار يؤثث أزمة شاملة في المنظومة التربوية، لكن هذه الأزمة إن كانت واقعا فهي ليست قدرا محتوما، والتغيير والإصلاح متاحين وممكنين، بل هما مطلبين ملحين، ومهما تعددت التفسيرات والتعليقات فإن الأصل في المشكل واقعي ملموس وقابل للمعاجة، وهنا يستدعي الأستاذ عبد الرحيم العطري قصة "السمكة والمقلاة" داعيا إلى تجاوز كل التفسيرات الدغمائية. (فبعد أن استفسر الباحث سكان القبيلة عن سر قطع رأس وذيل السمكة قبل طهيها، تباينت الأجوبة بين مؤمن بقوى شريرة تبتر مع الأطراف المقطوعة، وبين مقتنع بالأسباب الصحبية وبين أكثر من جواب ضاعت الحقيقة لكن السائل سيهتدي إلى امرأة عجوز هي أول من سن هذا العرف مند زمن بعيد، حمل إليها السؤال، فكان جوابها أن مقلاتها كانت صغيرة ولم تكن تتسع لحجم السمكات مما اضطرها إلى قطع رأس وذيل السمكة كلما همت بطهيها، وختم مداخلته قائلا أن "مقلاتنا واسعة" ملمحا إلى نضج المعطيات القانونية والسياسية والاجتماعية من الإصلاح.