المكان :خندق المرس /زيانة/ الزمان: سنوات الستينات من القرن العشرين ، الحدث:شاب صغير السن( في حدود 17 سنة)،قصير القامة يسير لوحده في تلك "الادغال"(ساعتها لم تكن هناك بنايات ولا منازل ولا شوارع كانت المنطقة مقفرة بشكل مخيف ولم يكن يجرؤ على المرور من هناك في ساعات المساء الاولى والليل إلا من هو،،، هو ) وفي لحظة انبرى للشاب مجموعة من الصعاليك تريد اعتراض سبيله وأمام هول الحدث لم يكن امامه إلا أن يرفع رجليه ليقوم بحركات بهلوانية من نوع الجمباز:"الفليفلا والمُرطال.." وبما ان المكان كان مقفرا ومظلما وبما ان الرؤية لم تكن واضحة للصعاليك فقد ذهلوا من الامر واعتقدوا ان الشاب عفريت أو جني ينط بتلك الطريقة الفريدة فما كان لهم من سبيل إلا الهروب ..هكذا كان يروي المرحوم الطيب البقالي عن فترات من عمره الغني بالأحداث... كان يحدثنا بين الفينة والأخرى كيف انتقل من كرة القدم الى الجمباز يوم تركه اخوه مصطفى كحارس للمرمى وعندما صعد مهاجم الفريق الخصم وجد المرمى بدون حارس بينما سيدي الطيب يقف على رأسه في حركة بهلوانية فطرده اخوه مصطفى وحسن فعل لان سيدي الطيب بعدها صعد وصعد نجمه بشكل ملفت ليتربع لوحده على عرش الجمباز المغربي ،لسنين، وليمثل بلادنا في العديد من الملتقيات الدولية ... لا اريد ان اتحدث عن تاريخ هذه الاسطورة ،هناك من هو أولى مني بذلك وله اترك الامر، ولكني وفي هدا المساء الذي يلي رحيله احب ان اتذكره بصفاته الانسانية ، تلك الاخلاق العالية التي ظهر جزء يسير من تبعاتها في جنازته الكبيرة التي حضرتها كل الأطياف وبحشود غفيرة ترحمت عليه وصحبته الى مثواه الأخير رحمة الله عليه. أذكر سيدي الطيب رجلا بشوشا سمحا، ونظرا لحسن سحنته وزرقة عيناه اعتقدته في البداية أجنبيا...كان لا يمل من الاشتغال في الحقل الجمعوي بكل أطيافه ولا يظهر أدنى ملل أو تعب... ولقد احتفظ بخفة حركاته رغم مرحلة التقاعد، كان نشيطا بشكل ملفت وكان يحب ان يقوم بين الفينة والأخرى بحركات رياضية نعجز عنها نحن اصغر تلامذته... لا زلت اذكر له فضل أن أصر على أن يؤدي عني ثمن غرفة الفندق الذي أقمنا فيه بالجزيرة الخضراء بعد عودتنا من احدى رحلات جمعية محبي ريال مدريد الى اسبانيا لتتبع الليغا -كان سيدي الطيب أحد أعضائها النشيطين – تلك الليلة تعشينا سويا بالغرفة :زريعة البيبا /عباد الشمس /وحلويات بسيطة ...الاصدقاء الاسبان من اللاعبين والمقيمين في عهد الحماية بتطوان كانوا يكنون لسيدي الطيب حبا كبيرا وكلما حضر أحدهم الى مدينتنا إلا وأصر على لقائه وهو بطبعه كان يجد دائما متسعا من الوقت ليصحبهم في جولات السياحة والذكريات بالمدينة القديمة...كان بالفعل سفيرا لبلده ودبلوماسيا غير عاديا يخدم بدون مقابل...ويدافع عن مدينته بكل استماتة. وحتى لما ابتلي بالمرض لم تفارق البسمة وجهه ،ولم يتوقف عن المشاركة في الأنشطة المختلفة ،آخر لقاء لي به كان بمدينة مرتيل مند فترة قصيرة رأيته على الطرف الاخر من الشارع صحبة زوجته وبعد التحية والسؤال... انصرفا لجولتهما المعتادة ...وللاطمئنان على حالته –حينما لا أهاتفه- كنت أسال أخاه مصطفى ،... سيدي الطيب البقالي رجل من طينة غالية وصديق اعتز بصحبته وقد سبق القدر أملنا ..فقد كنت قد وعدته برحلة سويا الى مدريد لمشاهدة مباراة: هو دفاعا عن الريال وأنا البلوكرانا... سيدي الطيب البقالي رجل أحببته....رحمه الله وادخله فسيح جناته... يوسف بلحسن.