نزل خبر إقرار المرسوم 2012/14، المتعلق بوسائل التقويم المستعجلة، من أجل ما سمي بعقلنة مصاريف التعليم من طرف الحكومات الجهوية الإسبانية على طلبتنا المغاربة الذين يتابعون دراستهم بالمعاهد والجامعات الإسبانية كالصاعقة، والذي بموجبه ستعرف رسوم التسجيل بالجامعات الإسبانية ارتفاعاً مهولا. وإذا كان هذا الارتفاع قد يصل إلى ضعف ما كان يؤدونه الطلبة من قبل بالنسبة للطلبة الإسبان، فإنه في حالة الطلبة الأجانب الذين ينحدرون من دول غير منتمية للاتحاد الأوروبي، فإن الارتفاع سوف يصل إلى 6 أو 9 مرات ما كانوا يؤدونه من قبل، أي أنه إذا كان معدل مصاريف التسجيل سنوياً يصل إلى ألف أورو، فإنه بالنسبة لهذه الفئة سوف يصل بين 6000 و9000 أورو في السنة ؟؟ بعبارة أخرى على هذه الفئة من الطلبة أداء مائة بالمائة كلفة التسجيل والدراسة في الجامعات. ويبقى تطبيق المرسوم المذكور من اختصاصات الحكومات المحلية، التي لها صلاحية تطبيق مقتضيات هذا المرسوم كلياً أو جزئياً. إذ أنه فيما يخص مصاريف التسجيل في الجامعات، تبقى لكل حكومة جهوية صلاحية تطبيق الزيادات المذكورة أو عدم تطبيقها، كما يمكنها أن تطبقها مائة في المائة، أو أن تطبق أية زيادة تراها مناسبة دون تجاوز السقف المحدد في المرسوم... ومن البديهي أنه في حالة تطبيق المرسوم المشؤوم، فإن عدداً كبيراً من طلبتنا المغاربة الذين يتابعون دراستهم بالجامعات والمعاهد الإسبانية، سيجدون أنفسهم مضطرين لتوقيف دراستهم، ومما زاد الطين بلة، هو تزامن هذا الإجراء مع فترة التهيئ لامتحانات آخر السنة، فإضافة إلى حالة القلق والأرق التي يعاني منها الطلبة عادة في هذه الفترة الحرجة، زادتهم محنة الخوف من تطبيق المرسوم السيئ الذكر تعقيدات نفسية إضافية . وفي هذا الإطار نظمت جمعية آباء تلاميذ مدرسة " رامون إيكاخال " والمعهد الإسباني " سيفيرو أو وشووا " بطنجة، وقفة احتجاجية بباب هذه المؤسسة الأخيرة، يوم 22 ماي 2012، وذلك تزامناً مع إضراب قطاع التعليم الإسباني. إذ رفعوا لافتة كتبت عليها : ( الأمهات والآباء وتلاميذ معهد "سيفيرو أو شووا" ومدرسة "رامون إيكاخال" يساندون الإضراب العام في قطاع التعليم الإسباني، ويطالبون الحكومة الإسبانية بالتراجع عن قرارها برفع رسوم التسجيل في الجامعات الإسبانية بالنسبة للطلبة المغاربة ). كما تجدر الإشارة إلى أن المرسوم هذا قد خلق استياءً كبيراً وسط الطلبة الإسبان أيضاً، الذين اعتبروه إجهازاً على حق الشعب الإسباني في التعليم، إذ يعد خرقاً للفصل 14 من الدستور الإسباني، الذي يخول لجميع المواطنين الحق في التعليم. أما طلبتنا المغاربة بإسبانيا فقد نظموا عدة وقفات احتجاجية، عبروا من خلالها عن رفضهم القاطع لمقتضيات هذا المرسوم، كما طالبوا الحكومة المغربية مؤازرتهم والوقوف بجانبهم. من جهة أخرى فإن الجامعات الإسبانية عبرت عن رفضها لهذا المرسوم، ونذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، مجلس جامعة إشبيلية، المنعقد يوم 8 ماي 2012، الذي رفض بشكل قاطع سياسة التقويم التي تنهجها الحكومة الإسبانية، وبعد دراسة وتحليل ومناقشة مرسوم القانون 2012/14، طالب المجلس باعتباره أعلى هيئة تقريرية بالجامعة، الحكومة الإسبانية بسحب هذا القانون. ولا يفوتنا كذلك أن ننوه بالخطوة الشجاعة التي قام بها رؤساء الجامعات الإسبانية بالإجماع (60 رئيس جامعة)، بمقاطعتهم وعدم حضورهم إلى اجتماع مجلس الجامعات الإسبانية، الذي دعى إليه وزير التعليم الإسباني " خوسي إيجناصيو ويرت " احتجاجاً على رفضه الحوار مع رؤساء الجامعات في هذا الموضوع، بل اعتبروا أن ما قام به الوزير يعد تجاهلا للجامعات الإسبانية بكل مكوناتها : الطلبة، الأساتذة والطاقم الإداري والخدماتي. وللتذكير هنا، فإن رئيس الجامعة في الجامعات الإسبانية ينتخب ويتم التصويت عليه من طرف كل هذه الفئات داخل الجامعة، ولهذا فإنه يبقى مسؤولا أمامهم. أمام كل هذا نرى أن دبلوماسيتنا، كعادتها تبقى مشلولة ومكتوفة الأيدي. وهنا أريد أن أذكر أن جارتنا إسبانيا تربطها ببلدنا اتفاقية التعاون الثقافي الموقعة بالرباط يوم 14 أكتوبر 1980، والمنشورة بالجريدة الرسمية عدد : (B.O.E. N° 243-10/10/1985) والتي من خلال بنودها، بين كلا الطرفين المغربي والإسباني مدى حرصهما ورغبتهما في تعزيز وتوطيد الروابط التقليدية والمتعددة لصداقتيهما التاريخية، وعلى الرفع من مستوى التفاهم والحوار بين الشعبين. إضافة إلى قناعتهما الثابتة بالضرورة الملحة للدفع بالتعاون الثنائي في مجال التربية والثقافة. وفي هذا الصدد نستحضر ما قررته الحكومتان في الفقرة الأولى من المادة الرابعة والتي تنص على ما يلي : " كل من الطرفين المتعاقدين، سيسمح لرعايا الطرف الآخر المقيمين فوق ترابه، الولوج إلى مدارسه ومعاهده التعليمية والتكوينية في نفس الشروط التي تطبق على رعاياه..". ولهذا على دبلوماسيتنا المغربية أن تستيقظ من سباتها العميق، وتطالب بتفعيل بنود هذه الاتفاقية التي تلزم الطرفين. وأخيراً أريد أن أستحضر الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الإدارية بالأندلس غرفة غرناطة بتاريخ 25 مارس 1992، القاضي بتطبيق استفادة الطلبة المغاربة من تخفيضات رسوم التسجيل بالجامعات على قدم المساواة مع زملائهم الإسبان، وذلك بالنسبة للطلبة ذوي العائلات المتعددة الأفراد (Familia numerosa). وفي حالة تقاعس دبلوماسيتنا، وعدم القيام بواجبها إزاء طلبتنا، يبقى الحل الوحيد أمام الطلبة المغاربة بإسبانيا وأسرهم، هو اللجوء إلى المحاكم الإسبانية لإنصافهم كما حصل الأمر سنة 1992، وذلك استناداً على اتفاقية التعاون الثقافي السالفة الذكر. الدكتور : ناجي زوزيو