حاضر الدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء اليوم الخميس 19 يوليوز 2018 برئاسة جامعة عبد الملك السعدي بتطوان في محور: " الإسلام والمجتمع" ضمن فعاليات الدورة العاشرة للجامعة الصيفية التي تنظمها الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، بشراكة مع مجلس جهة طنجة – تطوان - الحسيمة وجامعة عبد المالك السعدي، لفائدة 120 شابا من مغاربة العالم. وتمتد هذه الدورة على مدى ثمانية أيام، تشمل فضلا عن الزيارات الميدانية المبرمجة لاستكشاف جهة طنجة – تطوان - الحسيمة، مشاركة هؤلاء الطلبة في ندوات وورشات، تؤطرها شخصيات بارزة من باحثين وخبراء مغاربة، وتسعى هذه الجامعة الصيفية وفق ما صرح به مؤطروها إلى ترسيخ (تمسك الشباب بوطنهم الأم، وتعريفهم بالمنجزات التي حققها المغرب، وحثهم على الانخراط في المشروع المجتمعي الذي يقوده الملك محمد السادس لوضع المغرب في مصاف الدول الكبرى)، وبالتالي فهي مناسبة لمناقشة (المفهوم العميق للارتباط بالمرجعية العربية الإسلامية الوسطية التي يتميز بها المغرب)، وقد حرصت الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، العام الحالي على تنظيم خمس جامعات صيفية لفائدة شباب مغاربة العالم بكل من تطوان وأكادير وبني ملال وإفران وفاس، حيث يشارك فيها مجتمعة أزيد من 560 شابا وشابة. وفي كلمة تقديمية بالمناسبة من طرف الدكتور جمال علال البختي رئيس مركز أبي الحسن الأشعري التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان، رحب في بدايتها بالمحاضر الدكتور أحمد عبادي، مقدما إياه باعتباره منظرا من منظري الإسلام الوسطي بالمغرب من خلال اشتغاله على أوراش عديدة حول سماحة الإسلام وسلمه ودعوته إلى التعايش بين الشعوب ونبذ العنف والتطرف في مجتمع يشتكي أفراده من سوء فهمهم للدين وضمور جذوته في نفوسهم وأعمالهم بسبب ما يطغى على هذا المجتمع من التوجه المادي الصرف على الجانب الروحي أمام تقدم العالم الغربي نتيجة فصلهم بين العالمين الروحي والمادي، ومن ثم يطرح التساؤل المنطقي؛ هل مشكلتنا اليوم في ديننا أم في قراءتنا المشوهة لهذا الدين؟ ليترك للمحاضر معالجة هذا الإشكال، لكن قبل إعطائه الكلمة استطرد في كلمات موجزة للتعريف بالمحاضر - ضيف هذه المحاضرة- معرفا بمساره العلمي الحافل لعضويته بعدد من المجالس والنوادي والهيئات العلمية داخل المغرب وخارجه وعلى رأسها تنصيبه أمينا عاما للرابطة المحمدية للعلماء. ابتدأ المحاضر الدكتور أحمد عبادي كلمته بالإعراب عن شكره وامتنانه للمشاركة في هذه الندوة، وكذا عن سعادته لتواجده ضمن جمهور عريض من شباب المغرب وطلبته، ولذلك استهل محاضرته بطرح أسئلة لجمهور الطلبة ليتسحث انتباههم ويطلب مشاركتهم في تثوير مسائلها ثم يتولى بعد ذلك الإجابة المقترحة التي تدور في محور الندوة حول "الإسلام والمجتمع". وبين فضيلته أن الإسلام جاء على صورة مُرَكَّبة لابد للفرد من أن يسعى لفهم قِطَعها المتفرقة ضمن نصوص الوحي المؤسسة والتي تشمل نصوص القرآن الكريم (6236 آية) وحوالي (40 ألف حديث) وما يقارب (13 ألف قول مأثور عن الصحابة والتابعين)، ومنها نستنبط مقاصد هذا الدين وغاياته وأهدافه التي على رأسها جلب السعادة لهذا الكائن/الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض مصداقا لقول الله تعالى: (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى..)/ الآية. وإذن علينا أن نبحث في هذه النصوص عن الإجابات الممكنة وفق ما بينه الرسول (ص) بتشريعاته في زمن النبوة باعتباره القدوة في ذلك، وهو ما انتبه إليه الإمام مالك في اعتباره الأخذ بعمل أهل المدينة التي كان يعيش فيها النبي القدوة عليه السلام. ومن ثم استخلص العلماء المسلمون أن العمل بهذه النصوص يتطلب الإلمام بحلقات هذه التشريعات بما تتطلبه من مقاربة نسقية تدور في دوائر ثلاث رئيسة، كل دائرة تسلمك إلى التي بعدها؛ فالدائرة الأولى تشمل معالم هذه النصوص المؤسسة، وتسلمك إلى الدائرة الثانية التي نستكشف فيها آليات استنباط التشريعات من هذه النصوص المؤسسة، ثم تأتي الدائرة الثالثة وتشمل آليات التنزيل وفق ما بينه النبي عليه السلام في مجتمعه بالمدينةالمنورة. وإذا كانت الدائرة الأولى مستحكم فيها لتوفر النصوص التشريعية المؤسسة من القرآن الكريم والسنة النبوية من أقوال النبي (ص) وأفعاله وتطبيقاته في المجتمع، وتوفرنا على أقوال عديدة مأثورة عن الصحابة والتابعين، لا تتطلب سوى التأكد من تواترها وصحة روايتها، وهو ما كفانا به علماء الحديث والفقه. فإن الدائرة الثانية تتطلب منا التثبت أكثر لاستنباط النصوص التشريعية الملائمة وفق قواعد الاستنباط التي انتهض بها علماء الأمة وفق ترتيب محكم ودقيق؛ يبتدئ من علم الكليات وعلم المقاصد وعلم القواعد وعلم الأصول والآليات.. مثلما نحتاج إليه في تصميم محرك من المحركات الآلية التي تتطلب تصميما دقيقا وآليات للتركيب والتدوير، ثم تسلمنا إلى الدائرة الثالثة محل التطبيق العملي لهذه التشريعات. ثم انطلق المحاضر في ضبط هذه الآليات، مبينا العنصرين الأولين فقط: أولا: الكليات، وقد أوضح المحاضر أن الكليات الأولى للتشريع في الدين تقوم على أربع أعمدة كبرى هي: 1- التوحيد باعتباره الصفة الفطرية في هذا الكون، 2- والعمران وهو موطن استخلاف الإنسان فيه وما يتطلبه من تسخير واستصلاح، 3- والتزكية بالنسبة للفرد والمجتمع، 4- والاتصال وهو الأمر الرابط بين أفراد المجتمع ككل؛ ولكل واحدة من هذه العناصر الأربع تعريف خاص ووسيلة لكيفية التطبيق. ثانيا: المقاصد، وهي ما درج العلماء على حصره في خمسة أو ستة مطالب هي: الحفاظ على النفس والدين والكرامة والنسل والعقل والملكية أو المال، ويجب على الفرد أن يجاهد نفسه من أجل حماية هذه المقاصد في نفسه وأفراد أسرته منذ الطفولة، كما يجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في توفير ما تتطلبه حماية هذه المقاصد بتوفير التعليم والصحة والأمن الكافية من أجل تحقيقها. ولهذا فبلدنا الحبيب المغرب بما حرص عليه الدستور بأن (الملك حامي الملة والدين) يحرص دائما على توفير الجو المناسب والكفيل لحماية الفرد والمجتمع ككل، من جميع الزوايا والأبعاد، وضد كل مظاهر الغلو والتطرف.. ثم وصل المحاضر إلى عرض الدائرة الثالثة؛ وهي القدوة، وهي آخر ما تصل إليه هذه الدوائر، وقد ضرب المحاضر مثالا لما تفعله الجماعات المتطرفة التي تتفاعل كثيرا في شبكة الوسائط الاجتماعية (فايسبوك- تويتر...) وتبلغ أرقاما عالية من الرسائل والإرساليات، مما يتطلب جهدا كبيرا من أجل مواجهة هذا الكم الهائل من هذه الرسائل، ولهذا فلا بد من إعداد العالم المتمكن المؤهل الذي باستطاعته أن يجتهد من أجل استنباط الجواب الملائم والدواء الناجع لمثل هذه التصرفات مثلما نطلب هذه الكفاءة من الطبيب والمهندس وغيرهما في المجال التجريبي الصرف، ومهما لم تكن لك أهلية تمكنك من مخاطبة الناس فإنه يسهل على غيرك الانتصار عليك، بل والضحك عليك بسبب عدم خبرتك. ثم ختم حديثه بالتأكيد على أن المقام يقتضي الاختصار ما أمكن، ويكفي من الكلام أخصره وأوجزه حتى لا يمل الشباب المشارك في هذه الدورة الصيفية من المشاركة الفعالة في نقاش موضوع الندوة، وشكر في الأخير صبر هؤلاء الطلبة على حسن إصغائهم، متمنيا لهم إقامة طيبة ضمن فعاليات هذه الأنشطة. وقبل رفع أعمال هذه الجلسة العلمية، فتح مسير الجلسة باب النقاش للطلبة الحاضرين الذين قاموا بطرح مجموعة من الأسئلة والتعليقات على موضوع المحاضرة تفضل الدكتور أحمد عبادي الإجابة عنها بما أسعف به الزمن المتبقي لهذه الجلسة العلمية الماتعة.