لما يرفع البلطجي الراية الوطنية فانه يرمز إلى حالة من المهانة والانسحاق والاستيلاب باعتبار أن رفعه لها لا يكون تعبيرا عن إيمان حقيقي بقضية ما ،فهو مستعد لحمل راية داعش أو إسرائيل أو حتى الشيطان من أجل "الورقة الزرقاء"،أو من اجل مكاسب محدودة. لما يحمل الوطنيون والمناضلون العلم المغربي فإنهم لا يستجدون السلطة أويتزلفون إليها،بل تظل عدالة قضيتهم ومطالبهم نقية لا غبار عليها.ولا زلنا نذكر كيف حمل الثوار والشباب المصري للمطالبة برحيل الدكتاتور حسني مبارك ،ونفس الشيئ حدث بتونس لما رفع التونسيون علمهم الوطني ملخصين مطالبهم في شعار وحيد "ارحل". آن الأوان للبعض أن يضع حدا لخلط المفاهيم و ممارسة التقية، والإفصاح عن نواياهم و عرض بضاعتهم السياسية بوضوح.فالوطن هوية تصنع داخل حدود جغرافية وعبر تاريخ يمتد عبر القرون،ولا يمكن اختزاله كيفما كانت الأحوال في نظام سياسي معين أو حاكم معين،أو أو..لذا قدم المناضلون التقدميون واليساريون المغاربة في الستينات ضريبة الإعدامات والموت تحت التعذيب والسجون والمنافي في صراعهم السياسي ضد نظام الملك الراحل ،ولم يدعوا قط إلى حرق العلم الوطني أو ما شابه ذلك من ردود أفعال متشنجة نفسيا وصبيانية سياسيا. من هنا لامجال إلى تكرار الأخطاء القاتلة لفصيل من أقصى اليسار المغربي في نهاية السبعينيات وان كان قد قدم مناضلوه تضحيات عالية ،لكنه عزل نفسه سياسيا داخليا مما عرضه لعملية اجتثاث رهيبة..قلت عزل نفسه لما خلط ما بين النظام والوطن ،فقام مناضلوه بمناهضة مغربية الصحراء ومساندة البوليزاريو بدعوى أن إرجاع الصحراء من شأنه تقوية النظام سياسيا واقتصاديا ومنحه شرعية جديدة. إن الأنظمة الحاكمة تزول وتتغير عبر مجرى التاريخ ،وهذا من نواميس الطبيعة والتاريخ في آن ،أما الوطن فهو باق ،ونحبه مهما جارعلينا وأشبعنا القائمون على شؤونه الاحباطات،و سنظل نحن إليه ،كما نحن إلى قهوة وخبز الأم.