الصيف ضيعت اللبن. مقولة تنطبق على أيام الصيف الجميلة بمرتيل سنوات السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي،حيت يستغرق هذا الموسم من ثلاثة أشهر إلى أربعة أي منذ ظهور أولى حبات فاكهتي المشمش والمزاح التي نستمتع بها في لعبة القريعة. كنا ننزل إلى الشاطئ عند بروز أولى خيوط الشمس التي تسدل بأشعتها الذهبية على زرقة مياه البحر فتتلئلأ كبريق عقد ألماس في جيد حسناء غجرية.فنبدأ بالتنقيب عن الصدفيات الصغيرة ًكوكينا ًالتي نبدأ بأكل البعض منها ونترك الأخرى كطعم للسمك الدي نقوم باصطياده بواسطة قصبات بها صنارات صغيرة.وعند إنتصاف النهار تبدأ العائلات في الوفود على الشاطئ كأنها في هجرة قسرية، فمنها من يحمل معه متاعه كله ومنها من يحمل معها فقط كراسي البحر ومظليات وبعضا من كريمات الشمس ،هذه الأخيرة كنا ننظر إليها نحن الأهالي بنظرة ملئها الحقد والغيرة ممزوجة بأحاسيس الإعجاب.وكان الشاطئ آنذاك به جناح خاص بالنساء كن يستحمن فيه كتعبير عن جو الحشمة والوقار الذي كان سائدا في ذلك الوقت،فيقمن بخلع ملابسهن بكل حرية واطمئنان كأن هناك حاجز ساتر بينهن وبين شاطئ الرجال في حين لم يكن هناك إلا بعض الحجيرات مدفونة في الأرض،وكنا نحن الصغار نتمدد إلى إلى جانبهن في الطرف الآخر كتماسيح تتربص بضحاياها ما تكدن تلقي بأجسادهن إلى مياه البحر حتى نغطس ورائهن عسانا نفلح بملامسة أطرافهن فنقضي اليوم كله أحلام وردية.لكن ضربة واحدة من إحدى الحراس على الرأس في قاع البحر تجعلنا نعود إلى رشدنا وواقعنا الأليم.وكم كان يستهوينا المروربالقرب من برج المراقبة الوحيد الذي كان عند مقهى سرقسطة في منصة تشبه كرسي حكم كرة الطائرة فوقها يوجد مراقب يلقب قزيقز لا يكاد يرى مياه البحر لقصر قامته فيكون الغرقى بالعشرات لولا ألألطاف الإلاهية ثم يقظة السباحين الذين كانوا عبارة عن بحارة أشداء يهرعون إلى نجدة الغريق كلما لاحت لهم بوادر ضعف في السباحة من أحدهم .ويحدث في بعض الأحيان أن يهرعوا لنجدة أحد الغرقى فيتظاهر بقدرته على السباحة خجلا من المستحمين فيشبعونه ضربا مبرحا ويغرسون رأسه في البحر حتى يشبع المسكين ماء فيحملونه على أكتافهم ثم يرمون به على شاطئ البحر فيتجمهر الناس من حوله شاحب الوجه كأنه يريد أن يقول لهم والله ما غرقت لكن هي ضريبة العوم في مرتيل أؤديها. أما الليل كان سحره لا يقاوم حيث المقاهي المنتثرة على طول الكورنيش القديم سرقسطة،إفران،محفوظ؛ الصوردو؛ غطيس،كانت تنبعث منا أصوات الحناجر الخالدة أمثال أم كلثوم وفريد الأطرش وإسمهان كانت تعبث بقلوب العشاق أيما عبث فتجعلهم يغرقون في ظلام دامس يسرقون بعض القبل بعيدا عن أعين آبائهم وأمهاتهم الذين يتسمرون في تلك المقاهي لتزجية الوقت في لعبة البارتشي وأكواب من الشاي المنعنع .وفي الجهة الأخرى من المدينة حيث قاع المجتمع المحروم من متع الدنيا عند محطة الحافلات كانت تقبع هناك مدينة الألعاب البئيسة ًالفرية ًفكان الأهالي يأتون من كل حدب وصوب حيث النساء يحملن الأطفال فوق ظهورهن والرجال ينزوون عند جنبات المنصة المخصصة لبيع أوراق القمار حيث تقوم الراقصة بإغواء البلداء منهم الذين يظنون في بداية الأمر أنها راقصة إمرأة فتستهويهم بغمزاتها وقفشتها فيبدأون في الشراء حتى ينفذ مخزونهم من النقود فيرجعون بخفي حنين يمنون أنفسههم بغد أفضل تكون الراقصة من نصيب أحدهم .أما الشاطر فيهم فربما كان نصيبه مجموعة كؤوس بلورية أفضل من لاشيء،أما نحن الصغار فكنا نقوم بجمع الأوراق الخاسرة المنثورة على الأرض معتقدين في بلاهة طفولية أنها صالحة للقمار.أما المخيم فلنا معه قصة أخرى لأن زمن الحكي عن مرتيل لا ينقضي. طباعة المقال أو إرساله لصديق