لقد ظهرت الجريمة بإعتبارها ظاهرة إجتماعية مع نشأة الحياة الإجتماعية على سطح الأرض، وقد إحتلت مكانة الصدارة في الدراسات العلمية، الأمر الذي أدى إلى كشف الستار على بعض جوانبها وإخراجها إلى دائرة الفهم والتحليل. ونظرا لخطورة الجريمة على المجتمع، فقد إحتل المجرم بؤرة الإهتمام في هذه الدراسات سعيا منها لفهم شخصيته والعوامل التي أدت إلى إرتكاب الجريمة حيث أحيط الجاني بمجموعة من الحقوق التي تضمن له محاكمة عادلة. دون أن يوجه الإهتمام الكافي لضحيةعلى الرغم أنه المتضرر الأساسي من الفعل والسلوك الإجرامي. هذا وقد ظلت حقوق ضحايا الجريمة لمدة طويلة من الزمن منسية، نظرا لتسليط الضوء على حقوق المتهم من قبل المدارس الفقهية العديدة التي ركزت جل إهتمامها عليه. وبعد أن تفاقمت معدلات ضحايا الجريمة بكل أنواعها وأشكالها وتضاعفت أضرارها الجسيمة والنفسية والإجتماعية والإقتصادية التي عادة ما تتركها، بدأ الإهتمام ينصب على هؤلاء الضحايا والمتضررين إلى الحد الذي برز معه علم جديد في نطاق الفقه الجنائي يطلق عليه علم الضحايا Victimology. ويهتم هذا العلم بدراسة شخصية الضحية بإعتباره طرفا في الظاهرة الإجرامية ، وذلك من خلال تحليل بيولوجي وإجتماعي وعقلي ونفساني للضحية ، وبالتالي فهو علم مستقل بذاته عن باقي العلوم الأخرى كعلم الإجرام وعلم النفس القضائي وعلم العقاب ، وإن كان يلتقيان بعضهما البعض في بعض النقاط ، فإنهما بالرغم من ذلك فلكل منهما نطاق عمله ومجال اهتمامه . وهكذا فقد بدأت تولى صيحات الحماية الدولية لضحايا السلوك الاجرامي من مؤتمر السجون الدولي الذي عقد في سطوكهولم سنة 1878 على يد"جورج أرنى" كبير قضاة نيوزيلاندا[1] والفقيه الكبير " وليام تلاك". كما نودي بالمطلب نفسه من طرف أقطاب علم الإجرام ومن بينهم الفقيه الإيطالي "جاروفالو" وذلك من خلال جلسات مؤتمر السجون الدولي بروما سنة 1885. وتكررت مناقشة هذا الموضوع خلال مؤتمر السجون الدولي الذي انعقد في بترسبورغ سنة 1890، كما كان مدرجا ضمن جدول أعمال الجمعية الدولية العقابية خلال مؤتمرها المنعقد في كريستانيا سنة 1891، وكان أهم ما حرص المؤتمر على شد الانتباه إليه: عدم إيلاء القانون النافذ الاهتمام الكافي أو الكفيل بإصلاح الضرر الواقع على المجني عليه. ضرورة تعويض المجني عليه من خلال منحه جزء من المبالغ المالية التي كان يحصل عليها المسجونون خلال فترة عملهم في السجون. وخلال انعقاد المؤتمر الدولي للسجون ببلجيكا سنة 1900 تمت مناقشة موضوع تعويض المجني عليهم وانبرى الفقيه الإنجليزي ويليام تالكا[2] في تقريره المقدم للمؤتمر الذي ألح فيه على ضرورة تحمل الدولة مسؤولية تعويض المجني عليهم وذلك في الأحوال التي يتعذر عليهم استيفاء التعويض. وخلال المؤتمر الدولي التاسع لقانون العقوبات المنعقد في لاهاي سنة 1964 كان موضوع "حقوق المجني عليه في الدعوى العمومية" أحد المواضيع المدرجة في جدول الأعمال. ونال الموضوع نفسه اهتماما لافتا خلال مؤتمر لوس أنجلوس المنعقد بكاليفورنيا في دجنبر 1968 حيث كان من أهم توصياته بالإضافة إلى مراعاة حقوق المجني عليه ضرورة النظر إلى تعويض المدني عليه على أساس اعتباره حقا ثابتا له وعلى أن تضمن التشريعات اللاحقة للمؤتمر النص على التزام الدولة بتعويض ضحايا الجريمة[3] وبعد ذلك بمدة وجيزة، انعقد في غضون سنة 1970 المؤتمر الدولي لتعويض المجني عليهم وذلك في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند في الولاياتالمتحدةالأمريكية.[4] وخلال اجتماع مجلس إدارة الجمعية الدولية لقانون العقوبات المنعقد سنة 1971 صدرت توصية خاصة بكفالة حق المجني عليه ولا سيما حقه في التعويض، وبعد ذلك انعقد المؤتمر الثالث لتعويض المجني عليهم في مقاطعة أنطاريو بدولة كندا بتاريخ 13 شتنبر 1972 حيث تم بحث التطورات الجديدة في مجالات حقوق المجني عليهم وبالأخص مسألة تعويضهم ومدى تأثير سلوك المجني عليه على التعويض[5]. وقد أعقب هذا عقد الندوة الدولية الأولى "لعلم المجني عليه" في فلسطينالمحتلة في الفترة ما بين 2 و 6 شتنبر 1973 والتي تناولت حقوق المجني عليه وكان موضوع التعويض أحد أهم الموضوعات المطروحة على بساط البحث والمناقشة، وقد أصدرت هذه الندوة في ختام جلستها عدة توصيات كان من أهمها حماية حقوق المجني عليه ولا سيما حقه في التعويض والدعوة إلى تأسيس أنظمة لتعويض ضحايا الجريمة تتسم بالفعالية اللازمة والكفيلة بتحقيق الأغراض المنشودة[6]. وكان مما أثمرته هذه الندوة وقيام أعضاء الاتحاد الفرنسي لعلم الإجرام بعقد حلقة بحث في تولوز (من 2 إلى 7 دجنبر 1973) مخصصة لدراسة التوصيات السابقة وكيفية وضعها موضع التنفيذ[7]. إلا أن أهم مؤتمر دولي نظم في هذا الشأن هو المؤتمر الدولي الحادي عشر لقانون العقوبات والذي انعقد ببودابست بدولة المجر في الفترة من 9 إلى 15 شتنبر 1974. وقد انعقدت الحلقة التحضيرية له في فيورالخ بألمانيا الغربية في الفترة ما بين 4 و 6 أكتوبر 1973. حيث قام الفقيه "هانزبيشك"بوضع خطة بحث الموضوع التي على ضوئها قدمت تقارير وفود الدول المشاركة والتي جاءت مقسمة إلى قسمين: الأول يتعلق بتعويض المجني عليهم وإحداث صندوق لذلك، والثاني يتعلق برفع دعاوى التعويض وقواعد الخيار بين الطريق المدني والجنائي ودور المجني عليه في إثبات حقه. علاوة على بحث مسألة ما إذا كان كل من أصابه ضرر من الجريمة الحق في الإدعاء أمام القضاء الجنائي أم جعل هذا الحق مقصورا على من أصابه الضرر بمباشرة دون غيره، بالإضافة إلى مواضيع متعلقة بحقوق المجني عليه[8]. وتلا هذا المؤتمر انعقاد الأسبوع الرابع للفقه الإسلامي بتونس خلال الفترة ما بين 14 و 19 دجنبر 1974 وهو المؤتمر العربي الوحيد الذي ناقش في حدود علمنا موضوع تعويض الدولة للمجني عليهم حيث تم فيه بحث المبدأ الإسلامي المعروف" لا يطال دم في الإسلام" وكذا نظرية القسامة والدعاوى الجنائية بخصوص الحدود والقصاص في الشريعة الإسلامية[9]. وفي مؤتمر سياتيل المنعقد خلال أكتوبر 1976 جرى بحث موضوع المجني عليه ومناقشة فكرة التزام الدولة بتعويضه. كما انعقد مؤتمر في إيطاليا وبالتحديد في مدينة سيراكوزا في جزيرة صقلية مع المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي ضد الجريمة لمناقشة حقوق الإنسان في التشريع الإسلامي واشتراك فيه العديد من علماء القانون والتشريع في الدول الإسلامية والأوربية[10]. وفي المؤتمر الثالث للجمعية المصرية لقانون العقوبات المنعقد بالقاهرة بين 12 و 14 مارس 1989 أنبرى المجتمعون تدارس موضوع " حقوق المجني عليه في الإجراءات الجنائية" ومناقشة مسألة كفالة حق المجني عليه في التعويض ومسؤولية الدولة عن ذلك[11]. [1] William Tallack : »Réparation to the rightsofthe victims of crime to compensation », 1990- London – p3 [2] William Tallack : » Réparation to the inijured and tje rights of the victims of crime to compensation n° 1996- london p 18. [3] يراجع توصيات المؤتمر في: Glibert Geis and Rochard A Winer »International conference on compensation to inncoent victims of violent crime – international review of criminal policy » 26 March 1970 pp123-125 publicsed the united-Canada. [4] د.محمد الحسيني كروط, مرجع سابق, ص 18 [5] يراجع مناقشات هذا المؤتمر: Proceding of the third international conférence on the compensation of victims of crime -1972 – Torento – Ontario-Canada. [6]يراجع توصية هذه الندوة: Drapikin and Viano.Victimology-a new focus-1973 – vol -1 – p209 -211, volII-p197-199, vol III-p227-229 IV-p233, vol V-p195-197. [7] وقد نشرت أعمال هذه الندوة في منشورات كلية العلوم الاجتماعية بجامعة تولوز Annales de l'Université des sciences sociales de Toulouse –Tom XXII-Fascicules 1 et 2- 1974 – p 134-240. [8] للتوضيح أكثر يراجع: عادل محمد الفقي " حقوق المجني عليه في القانون الوضعي المقارنة بالشريعة الإسلامية"، رسالة دكتوراه كلية الحقوق جامعة عين شمس 1984 ص 269. [9] للتوضيح أكثر يراجع: عادل محمد الفقي " حقوق المجني عليه في القانون الوضعي المقارنة بالشريعة الإسلامية"، رسالة دكتوراه كلية الحقوق جامعة عين شمس 1984 ص 269. [10] للتوضيح يراجع: عادل محمد الفقي المرجع السابق ص 271. [11] تراجع أعمال المؤتمر في مؤلف تحت عنوان" حقوق المجني عليه في الإجراءات الجنائية" المؤتمر الثالث للجمعية المصرية للقانون الجنائي القاهرة 12 14 مارس 1989 الناشر دار النهضة العربية الطبعة 1990. * الباحث علاء الدين تكتري استاذ محاضر الدروس التطبيقية كلية الحقوق طنجة