لا ينكر أحد أن كل حروب العالم كانت بسبب جشع الرأسمالية المتوحشة التي تريد أن تنفرد بحصة الأسد من كل ثروات الشعوب عبر العالم، وهو ما نتج عنه انبثاق حركات ثورية تحررية للمطالبة بحقها في العيش الكريم، ومحاربة جشع الكمبرادوريين. وما نراه الآن من انتشار بؤر التوتر والاقتتال عبر العالم، سببه هو الفقر الذي يعد الإطار الأساسي لكل ما يعانيه العالم من ويلات ، خصوصا عندما تحاول الرأسمالية بجشعها الدائم الانفراد في عملية التحكم في ثروات الدول، وترمي العظام والبقايا للشعوب، تاركة حاضرها محصورا بين كسرة رغيف وشربة من الماء، ومستقبل مجهول المعالم والهوية، وهو ما أسهم بشكل كبير في تفشي أمراض عدة من بينها حالات نفسية متأزمة نتيجة فقدان الشعوب للأمل، ومعاناة الشباب أمام انسداد الآفاق المستقبلية، وسيادة واقع مظلم يرزح بأدنى شروط العيش الكريم نتيجة تدني مستوى المعيشة، مما يجعل من هؤلاء آداة يسيرة لتغذية العنف والتطرف، مرورا عبر واقعهم المزري الذي تستغله أطراف متطرفة قذرة، لتلقي بهم في أسون الظلام وبرك المستنقعات تحت غطاء الوهم . وحسب دراسات في محيط أغلبية من اختاروا الالتحاق ببؤر التطرف، تبين أنهم ينقسمون على ثلاث أصناف، فمنهم من اختار التطرف للهروب من الواقع المزري الذي يحاصره، وظروفه الاجتماعية المعقدة، والإفلاس المادي الكلي، لدرجة أن هذا الحال أنتج لديه فكرة الانتحار للتخلص من هذه المعاناة التي أضحت تشكل كابوسه المظلم الذي يوقظ مضجعه بين كل فترة وحين، ومن هذا المنطلق تتشكل لديه فكرة البحث عن الخلاص، وهو ما يجعله فريسة سهلة لأولئك الذين جلبوا على توظيف معاناة الإنسان في سبيل مصالحهم، حيث تكون النتيجة الحتمية اختيار الموت في سبيل أمر يعتقد أحقيته واستحقاقه، وبالتالي ينقاد للموت في جبهات قتال لا تعنيه، ولا تقربه إلا الله كما زينوا له ذلك، بل هي إلى جهنم تقوده لقوله تعالى "ومن قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا"، وهي آية تفند قطعا كل ما قد يتعلق به أصحاب هذا الاتجاه من أوهام باسم دين هو من أفعالهم براء، كما أن اليأس من الحياة والقنوط من رحمة الله هو مصدر الضلال كله لقوله عز وجل " وَمَنْ يَقْنَط مِنْ رَحْمَة رَبّه إِلَّا الضَّالُّونَ". أما الفئة الثانية، فهي من تلك الفئة التي تختار طريق التطرف نتاجا لظروف المراهقة الشبابية، وهو انعكاس لضعف التربية وغياب القيم، حيث يأتي هذا الاختيار الضال من باب إظهار قوة الشخصية، عبر نهج سلوك العنف والتخفي برداء الدين لجعل ذلك السلوك عقيدة، تستدعي حمل السلاح ولبس الزي العسكري ، والتباهي بذلك عبر أخذ الصور ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل الظهور بمظهر هوليودي يخفي إخفاقات الذات واضطراباتها وقصورها وعدم نضجها. فيما الفئة الثالثة، فهي وليدة الأفكار التكفيرية، والنهج المتشدد، والأحاديث المغلوطة والمكذوبة والمشحونة، والتي تدعوا لإراقة الدماء وتطهير الأرض من كل من لم يتشبه بهم، أو يتبع منهجهم الدموي. وهذه الفئة هي الخطر بعينه، لما تقترفه من أفعال تحرف الدين وتمس العقيدة السليمة للمؤمن المسلم، وتروج للإسلام بخلاف ما جاء به كدين للوسطية والاعتدال، والمحبة والتسامح، والتآخي والسلام… الدين السمح الذي جاء به نور الهدى صلوات الله عليه، ليكون رحمة للعالمين، لقوله تعالى " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين...