يتذكر الفاعلون في المجال السياسي والنقابي بكثير من الأسى رحيل المناضل الأخ والصديق عبد الواحد حدوش.وتأتي هذه الكتابة عنه ضد النسيان وضد التناسي،خاصة عندما نرى المناضلين المرتبطين بالتاريخ والانتماء والامتداد الوطني بدؤوا يسقطون الواحد تلو الآخر،هذه الطينة من المناضلين الذين يمتازون بالصمت والفعالية والتواضع ونكران الذات شرعت تغادر الساحة صامتة كما كانت تملأها بأفعالها وفعاليتها الصامتة دون ضجيج ونزقية لامسؤولة.عاشوا سنوات الرصاص بالموقف ومغامرة التحدي التي كان ثمنها حياة المناضل ذاتها أحياناً،أو سنوات من الحياة وراء القضبان أحياناً أخرى،كانوا يناضلون حين كان البعض صامتا خائفا منكمشاًو كان البعض الآخر يساوم بنضاله النظام،موهماً السذج والغافلين أنه فعلاً مناضل لا يشق له غبار،وانكشف القناع في الأخير وتبين أن عددا منهم لم يكونوا سوى "مناضلين" للتمويه والإخبار والاستخبار. عرفتُ الراحل عبد الواحد حدوش منذ أكثر من أربعين سنة،لأنه ابن حارتي،ولم نصطدم يوماً واحداً أو حصل بيننا ما يعكر صفو صداقتنا،كبرنا وانتمى كل منا إلى الخط السياسي الذي يقتنع به أو شاءت الظروف أن يقتنع به ،لكننا كنا ننتمي إلى نفس الخندق السياسي،كنا ننتمي لليسار في صورته العامة،وللحركة الوطنية في الصورة الأعم،كنا نتناقش ونتبادل الرأي باحترام شديد.انتمى الراحل الصديق إلى تيار "رفاق الشهداء" داخل حزب "الاتحاد الاشتراكي"،ولأسباب متعددة أهمها غياب الديمقراطية الداخلية و"آلية" تدبير الاختلاف السياسي، تم طرد التيار من الحزب،وبعد مرور زمن قصير تأسس حزب "الطليعة"،ظل الراحل عبد الواحد طليعيا وفيا لهذا الحزب مدى حياته،رغم الإغراءات التي كانت تعرض عليه للتخلي عنه أو للوشاية برفاقه في الحزب،لم يكن من الذين يقفزون هنا وهناك بحثا عن "مظلة" سياسية أكثر تغطية مادية أو معنوية،لم يكن يبحث في كل مرة عن "أب" جديد يحميه ويرعاه مثل طفل قاصر جشع،كان سيد نفسه،بل كان يقتطع من نفسه ومن ذاته ومن رزق أبنائه ليمنح أسباب الحياة والاستمرارية لحزبه،وكم مرة التقاني في الشارع وطلب مني "مساهمة" لأجل طبع العدد الجديد من جريدة "الطليعة"،لم أخذله ولو مرة واحدة،لقد كان صديقي،وكنت أحيي فيه "روحه" النضالية العالية المستميتة في الدفاع عن مبادئها، ونزوعه نحو نكران "الذات" وتفضيل "الانتماء" العام على ما هو ذاتي وخاص.اعتقل عبد الواحد بعد انتفاضة يناير 1984 بتطوان مع ثلة من خيرة المناضلين بالمدينة،وعذب تعذيبا شديدا،لكنه خرج من المحنة،كما كان دائما،وفيّاً لذاته ولمبادئه ولخط حزبه السياسي،ما بدَّل تبديلا.لكنه عرف معاناة مع أمراض سببها له السجن و"حفلات" التعذيب،أمراض الكبد والنزيف الأنفي،وآلام المرارة (خضع لعملية استئصال)،وغيرها من الأمراض،التي يعرفها كل ضحايا النظام المعتقلين السياسيين،إذ لا أحد منهم يخرج سالماً..ومعافى إلا بكبريائه وعزة نفسه.. اهتم عبد الواحد بحينا المهمش "الطالعة" في المدينة العتيقة،وشجع طول حياته "جمعية الحي" وكان له الفضل في أن يحصل "تحالفنا السياسي" على أعلى الأصوات في "المكتب المركزي" مخالفا ومتجاوزا بمراحل كل الأحياء الأخرى،وعبَّر سكان حينا..في صندوق الاقتراغ..عن كرامتهم التي لا تباع ولا تشترى،كان يتصل بالدوائر المسؤولة لأجل النظافة، الإنارة ،الجريمة والعنف،وساهم مساهمة فعالة في ربط حي "الطالعة" بالطريق المعبدة التي تربطه بجبل درسة، حيث عبدت طريق تمر عبر مقابر "المجاهدين"،تسمح بمرور السيارات،وكان هذا الإنجاز ذا أهمية قصوى لربط الحي مباشرة بباقي أطراف المدينة وخاصة المرافق الصحية. كما عمل على ترميم منزل كبير لأيتام كان أبوهم المتوفى..فيما مضى..رجلا ميسورا،وذلك ضمن خطة ترميم "المنازل القديمة" في تطوان العتيقة.كان رحمه الله دائم الارتباط بالحي دون منٍّ ولا تكبر ولا ابتزاز. لم يكن الراحل من الذين يتغيبون عن اللقاءات أو الندوات أو الاحتجاجات أو الاجتماعات التمهيدية سواء في العمل الجمعوي المدني (ج.م.ح.إ) أو العمل النقابي (ك.د.ش) أو العمل السياسي (الطليعة) أو في إطار التحالف السياسي الذي يجمع مكونات اليسار،وسواء كان ذلك على الصعيد المحلي أو الجهوي أو الوطني.تعرض الراحل ع.الواحد للإيذاء السياسي..أكثر من مرة..وعلى سبيل المثال..عندما نقله خصومه السياسيون من "سوق الجملة"،حيث كان يعمل موظفاً،إلى سوق "باب النوادر" لمدة سنوات في إطار الانتقام السياسي،ولم يعد إلى سوق "الجملة" إلا قبل سنة واحدة من تقاعده.توفي ع.الواحد السنة الفارطة تاركا وراءه زوجة وابنة صغيرة (مروة 11 سنة)، وابنه الشاب الخلوق (مهدي 18 سنة)..هذه هي ثروة الراحل العزيز المناضل عبد الواحد حدوش،لا شيء آخر ولو بيتا يحمي أسرته الصغيرة من آفة الكراء…