* إضاءة: صدر حديثا للباحث المهتم بذاكرة تطوان الرياضية والفنية الأستاذ الزبير بن الأمين كتاب جديد بعنوان: مسرح إسبانيول/ ذاكرة تطوان الفنية (1923 2013)، وهو متكون من ثمانية فصول تصدرتها كلمات الإهداء والتقديم والتوطئة، وذيلت بخاتمة تضمنت ملاحظات عامة واستنتاجات واستدراكات وتوثيق أسماء من عمل في هذه المعلمة، وشهادات من ربطتهم صلة بها. والكتاب مزدان بصور وجداول ووثائق ثمينة تعزز مضمون كل فصل. وقد عمل الباحث جاهدا في فصول الكتاب الثمانية على الانطلاق من لحظة التأسيس وتقديم صورة عن جمال معمار المكان وثراء محتوياته، ثم انتقل إلى رصد مختلف الأنشطة التي كانت خشبة مسرح إسبانيول مسرحا لها على امتداد تسعة عقود، وهي أنشطة ذات طبيعة ثقافية واجتماعية ومسرحية وسينمائية وموسيقية وترفيهية ورياضية، أضفت جميعها على جمال المكان وسحره جماليات تستحق التأمل، نكتفي في هذا المقام باقتباس بعض تجلياتها. * في مجالي الفكروالثقافة: احتضن فضاء مسرح إسبانيول محاضرات فكرية وسياسية، وعروضا ثقافية، من أبرزها تلك التي أضاءت مسرح إسبانيول وكان لها صدى قوي في النفوس يومئذ، وفي مقدمتها محاضرة الأمير مولاي الحسن (الملك الحسن الثاني لاحقا) ومحاضرة الأديب طه حسين ومحاضرات الأستاذ عبد الخالق الطريس وقادة الحركة الوطنية، سواء في مرحلة الحماية أم في عهد الاستقلال. * وفي مجالي المسرح والسينما: عرضت على خشبة إسبانيول مسرحيات عديدة قدمتها فرق إسبانية ومغربية كان أولها من تقديم فرقة "ماريا كاميز" وغيرها من المسرحيات الإسبانية، كما عرضت عليها مسرحيات مغربية نذكر منها، تمثيلا لا حصرا، مسرحية "انتصار الحق بالباطل" للأستاذ عبد الخالق الطريس ومسرحية "عايشة قنديشة" التي اقتبسها وأصلها الأستاذ محمد بنونة، ومسرحية "مثلنا الأعلى" أو "الوحدة العربية" ومسرحية "المعلم عزوز"، ومسرحية "القلب الكبير" لمحمد الدحروش، ومسرحية "الحافلة رقم 3 لرضوان احدادو. كما قدمت فوقها مسرحيات عربية نذكر منها مسرحية "خفايا القاهرة" التي قدمتها فرقة "رمسيس" برئاسة المسرحي يوسف وهبي. وفي مجال السينما، عرضت على شاشة هذا المسرح أفلام سينمائية عديدة؛ أقبل الجمهور التطواني على مشاهدتها بكثافة في الفترة الممتدة من 1923 إلى 1983، وقد أحسن الباحث صنعا بوضع جدول تفصيلي ضمنه نماذج من الأفلام السينمائية التي عرضت على شاشة مسرح إسبانيول من 1923 إلى 1970. * ومن جماليات الموسيقى: ترددت في هذا الفضاء الفني نغمات ألوان موسيقية متنوعة من مختلف بقاع العالم، وقعتها فرق موسيقية مشهود لأعضائها ببراعة العزف، وأداها مطربون متميزون من إسبانيا وروسيا ودول أمريكا اللاتينية والبلاد العربية وشتى حواضر المغرب، ومن حمامة الشمال مدينة تطوان بصفة خاصة. وتأكيدا لجمالية هذا المكان الموسيقية، اختارته جمعية تطاون للموسيقى فضاء لاحتضان ملتقياتها الموسيقية. كما حفلت خشبة هذا المسرح بعروض فنية واستعراضية تمثلت في سهرات غنائية، ومهرجان "العود"، واحتضان الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للموسيقيين المكفوفين. * ومن جماليات الترفيه والرياضة: قدمت على هذه الخشبة عروض فنية ترفيهية تمثلت في عروض لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة وعروض بهلوانية وسحرية… وليس غريبا بعد هذا أن تتحول خشبة مسرح إسبانيول إلى حلبة لممارسة رياضة الملاكمة التي كان لها أبطالها وعشاقها، وفي هذا الصدد استمتع الجمهور التطواني بمباريات في هذه الرياضة جمعت أبطالا مغاربة من تطوان ومن إسبانيا، ما زالت أسماء بعضهم تتردد في مجالس الملاكمة إلى يوم الناس هذا. * ومن جماليات ثقافة الاعتراف: من أبرز تجلياتها ما عرفته الخشبة من تكريم لنخبة من أهل الفن والإبداع اعترافا بعطاءاتهم في مضمار الارتقاء بالذوق الفني وتربية النفوس على حب الجمال والعفاف، عبر الكلمة الطيبة الموقعة على أوتار أجمل لحن وأعذب أداء. ولعل أسمى مظهر لثقافة الاعتراف هواهتداء المؤلف إلى تخصيص حيز في كتابه لأسماء جنود الخفاء، رجالا ونساء، الذين كان لهم شرف العمل في هذه المعلمة الفنية والسهر على خدمة روادها بأمانة وإخلاص، مؤكدين بذلك أن جمال المكان يزدان ويتألق بإبداعات الإنسان. * على سبيل الختم: وبعد؛ فهنيئا للأخ الأستاذ الزبير بن الأمين على هذا الإنجاز القيم. وإلى أن يتحفنا بعمل جديد أقتبس من تقديم الأستاذ رضوان احدادو الرائع للكتاب قوله: "شكرا لك وقد أعدت للفدان عطر الأرنج، وعبق الزهر، وطيب رائحة النعناع، وهديل حمائمه التي هجرت… إنه شميم الألق". (ص9)