على الساعة الخامسة مساء يوم الخميس 07 نونبر 2013م بمدرسة الصنائع والفنون الوطنية وضمن فعاليات الدورة 16 لعيد الكتاب بتطوان عقدت أمسية لتقديم قراءات نقدية لأعمال سردية لكل من الشاعر "محمد الميموني" والروائيين "أحمد المخلوفي" و"محمد بنعبود". الأمسية كانت من تنسيق الأستاذ "محسن أخريف" رئيس فرع تطوان لاتحاد كتاب المغرب، والذي اعتبر هذه الأمسية ذات طابع مميز، حيث سيتم فيها تقديم أعمال سردية لها ميسم خاص جدا، وأن هذه الأمسية وإن أحاطت بهذه الأعمال السردية فلن تفيها حقها من الدراسة والتمحيص، غير أن ما يشفع لها كونها أمسية تقديمية تفتح شهية القراء للإطلاع على هذه الأعمال. قدم "محسن أخريف" بعدها ورقة تعريفية بالشاعر محمد الميموني وعمله السردي "كأنها مصادفات" معتبرا إياه شاعرا كبيرا راكم حضورا متميزا في الكتابة الشعرية والسردية، وأن آخر أعماله "كأنها مصادفات" نتلقى منه مراحل شتى من بلورة ذاتية الشاعر، وتداعيات سيرة تشي بالكثير من المعطيات، هي سيرة تنهل من هموم الذاتي والسياسي ونزعة تاريخية لا تخلو من الموضوعية، ومن ثم فسح المجال للكاتب "أحمد بن ميمون" الأخ الشقيق ل"محمد الميموني" ليقدم العمل السردي "كأنها مصادفات" بعد أن قدم لشخصه ورقة تعريفية. "أحمد بنميمون" و قراءة لعمل "كأنها مصادفات" ل"محمد الميموني" : هي تداعيات كتبتها بعد قراءتي لكتاب "كأنها مصادفات"، بهذا الكلام افتتح الكاتب "أحمد بنميمون" حديثه، ليمهد لنا بعده بمقدمة مفادها أن الكثيرين ممن كتبوا سيرهم الذاتية وقعوا تحت تأثير مطابقة الواقع التاريخي، فلم يتجاوزا كتابة الذكريات، أو أنهم كتبوا بنرجسيات كبيرة، أو أنهم وقعوا في الكتابة البحتة. وبعيدا عن كتاب "كأنها مصادفات" قرّب لنا القارئ الكاتبَ "محمد الميموني" باعتباره أقرب الناس إليه وألصقهم به، حيث وصفه بأنه كثير الميل إلى التصالح مع العالم، كثير الغفران لقسوة الأشخاص الذين أساؤوا إليه، لا يحاكم ولا يحاسب. أما في عمله "كأنها مصادفات" فقد وجد القارئ "أحمد بنميمون" بياضات بحسب قوله سكت عنها الكاتب، ومن ثم تساءل ؛ لماذا سكت عنها؟ وهو السؤال الذي تركه مفتوحا. وقف بعدها على عتبة الكتاب"كأنها مصادفات" باعتبارها تشكل رؤية صاحبه عن العالم، وأن اختيار العتبة نادرا ما يوفق إليها الكاتب، وهذه العتبة "كأنها مصادفات" غنية بالدلالات وماكرة، تشي بأن واضعها لا يقر بأية قوانين تحكم مسار الحياة، ومن حيث صورتها البيانية تحمل (الشك/الظن) كموقف للكاتب من الحياة، وأن الكتابة أو الكتاب لم يكن نتيجة اختيار مسبق وإنما الظروف ساقته طوعا، ومن ثم هيأت الكاتب والشاعر السارد الذي عانى حياة قاسية في المرحلة الأولى من حياته فيما كتبه عن وقائع الطفولة ومحيطه العائلي والمدن التي حل بها. والكاتب من خلال عمله هذا هو أقل رفضا للعلاقات الاجتماعية، ولو كتب هذا العمل (السيرة الذاتية) في مرحلة الشباب والعمل السياسي لكان أشبه بسيرة "طه حسين"، باعتبار أن الكاتب قرأ كثيرا من مؤلفاته، فكيف لا يصادف ذلك هوى شاب يطرح أسئلة كبرى عن الوجود؟. الكتابة عن الذات هو إنهاء لها، هو كلام وضعه القارئ كمقدمة للولوج إلى ذاتية الكاتب في عمله السردي هذا ليقيس مدى قرب الضمير المتكلم وبعده عن الذات، ومن ثم حدد لهذه الذات عدة مراحل وهي: الإقبال على الذات/ الاعتداد بها/ الانكسار/ اكتشاف الذات (إقامة نوع من الود معها)/ الانقطاع إلى محراب الشعر. هذه المراحل تشكل صورة الذات الكاتبة في بعدها الحضاري وما رافقها من شعور (الرضا/ الغضب) لتستقر على خيار الحل الصوفي وهو الانقطاع إلى محراب الشعر. وحول طبيعة هذا العمل السيري يقول القارئ: إن صاحب العمل لمّا أهدى لي عمله كتب في كلمة الإهداء ما يلي:" إن سيرتي هذه إنما هي تداعيات تواردت على ذاكرتي تلقائيا، سجلتها كما هي، قد نختلف في بعض من أحداثها وقد نتفق في أخرى…" يقول: غير أني بمطالعته وجدت أن كثيرا مما ذكره كان جديدا عليّ، ومن ثم فالكتاب جثة هامدة ما لم يفتح ويقرأ ويشيع… الكتاب ضم موضوعات كثيرة غنية بأحداث الطفولة (فرحة العائلة بالولد البكر)، وعلاقة الكاتب بالأنثى، وإشكال الوعي بالصراع الوطني (النضال الطلابي بالجامعة)، والشأن الحزبي…. هذه السيرة يقول القارئ: تميزت بكثير من الجرأة في ذكر مجريات الأحداث في زمن الكاتب في ظل غياب الديمقراطية، وفي الحديث عن التجربة الشعرية في هذا الزمن وختم القارئ حديثه بالدعاء لأخيه الكاتب بمديد من العمر، فلا يزال بحسب قوله في النفس ما يستحق أن يروى، وربما نكون في انتظار الجزء الثاني من هذه السيرة "كأنها مصادفات". الناقد "خالد البقالي القاسمي" يقدم رواية "قصْبَة الذئب" ل"محمد بنعبود": "قصْبَة الذئب" هي الرواية الأولى للكاتب "محمد بنعبود" بعد تلكؤ طويل، رواية تحكي فترة الثمانينات، وأجزاء كبيرة من أحداثها تدور في مدينة تطوان وضواحيها، والسمة الغالبة فيها أنها تظهر مبدعا له نفس سينيمائي، خاصة إذا علمنا أن الكاتب عمله الأساسي هو كتابة السيناريست. بعد هذه المقدمة عرض "الناقد خالد البقالي القاسمي" لمداخلته في محاور ثلاث، وهي: الإطار العام للرواية/ مفهوم التكون في الرواية/ مفهوم الوفرة في الرواية. الإطار العام للرواية: من حيث الفضاء المكاني فإن اتخاذ مدينة تطوان كأفق إبداعي بما يتميز به من خليط ومزيج قد توفق فيه الكاتب، ويشترك في هذا الاختيار مع كثير من المبدعين بالمدينة الذين اختاروا تطوان أفقا إبداعيا الشيء الذي يعطينا تراكما في تأريخ المدينة. والفضاء المكاني الذي زامنه الكاتب في بناء الشخصيات يمتد بين تطوان وطنجة، وخصوصا "قرية المشارفة بعين الحصن" التي تدور فيها معظم الأحداث وفي هذا دلالة من الكاتب على أن "المدينة تخدم القرية". وعنوان الرواية "قصبة الذئب" فالقصبة بفتح الصاد هي الخصلة المتموجة من الشعر، وبتسكينه هي مدينة أو تجمع سكاني، وهو المكان المرتفع في قرية المشارفة حسب الرواية. والرواية في عمومها من حيث لغتها، لا يمكننا إلا أن نصفها بأنها بيان لغوي بلغة عربية لا تضاهى، وكأن الكاتب يقول لنا بأنه محترف في تخصصه وإبداعه. و من حيث إيقاع النص الروائي فالكاتب يعمل في سرده على متوالية بسيطة ذات جمل قصيرة محددة وذات نفس محدود، حيث لا يحملها أكثر من دلالتها، وبالرؤية البنيوية: فإنه يعير الاهتمام بين السابق واللاحق لخلق دلالة مضبوطة. ومن حيث الألفاظ المستعملة نجد فيها تناغم، فالألفاظ المستعملة في فضاء "تطوان" هي غيرها المستعملة في "قرية المشارفة"، فهو ينتقي لكل فضاء لغته المناسبة. أما من حيث التشبيهات في الرواية، فهي كثيرة استعملها الكاتب وقام بتطوير وإنتاج تشبيهات جديدة مثل تشبيهه السحب في مدينة تطوان بالأسمال البالية. أما طبيعة السرد بالرواية فيمكننا أن نصفه بالسرد البانورامي، حيث يقدم لنا الكاتب لوحات فنية متلاحقة، من حيث اللوحات وليس من حيث الدلالات فهذه الأخيرة متباعدة. مفهوم التكون في الرواية: تتميز الرواية أنها لا محدودة وأنها وافرة، وقد تتميز إما بالرتابة وإما بالجزالة، وإذا كان الميتاناص هو تاريخ الرواية فإن مفهوم التكون هو ما قبل الرواية، والعمل الروائي "قصبة الذئب" يتموضع في المنزلة بين المنزلتين، وهو الموضع الذي يسمح بمرور الشخصيات في الزمكان. وإذا أردنا أن نحلل الرواية في صورتها النهائية، فالتكون أحيان يمكن أن نميز فيه في إطار مبدعيه بين المبدع الذي يعي ما يفعل ويتقنه والعكس، فما قبل الروائي في "قصبة الذئب" نستبطنه من الرواية في صورتها النهائية. هذا المفهوم (التكون) كان مضبوطا في "قصبة الذئب"، فالكاتب كان يبحث عن منطق المعنى في الصيغ والحوارات والمعاني، ويوضح منطقها، ويمسك بخيوط اللعبة (ما قبل الرواية)، وما أورده في الرواية هو ما يوجد واقعا ( الموت، الحياة، الأكل، الشرب…) غير أن سير العلاقات يربطها بصيغة مغايرة عن المعهود بحيث أنتج لها فنية. ومفهوم التكون يشترط له ثلاث صيغ وهي: - وصف الأشياء بواسطة اللغة (حتى في المعاني والتناقضات). - التعبير عن مقاصد المتكلم (ينوب عن المتكلم في تفسير مقاصد الكلام). - تأسيس علاقات بين المتكلمين (التأسيس للحوار). وفي الرواية وظف الكاتب الحوار الوصفي والاستدلالي وا لتشخيصي والاستنتاجي. مفهوم الوفرة في الرواية: الوفرة تدل على وفرة المدلول بالنسبة للدال الواحد. "ويحشر تحت مفهوم الوفرة كل الأساليب التي تفيد التكثير بمختلف وجوهه كالمبالغة والتكرار والتتميم، فهي إذن كل الوجوه التي تكون في دائرة المبالغة والإطناب…فتكون الوفرة على هذا الأساس مرادفة للعناصر والمستويات البانية للخطاب المخرجة له على نهج فيه زيادة على أصل المعنى…"[بلاغة الوفرة وبلاغة الندرة: مبحث في الإيجاز والإطناب، لنور الهدى باديس]. نجد الوفرة في "قصبة الذئب" في تمجيد الأصل/ الجد، بحث السارد عن الجد/الحقيقة، بحيث أن البحث عن الأصول والعودة المحبطة تخلق المأساة ولا تحل المشكل…. ونجد فيها أيضا الوفرة المتوارية، فالرواية توحي لك أنها تقول كل ما لديها ولكنها لم تقل كل شيء. ومن ألوان العودة إلى الماضي في الرواية ما يسمى ب (العمارة) فواقع ما يدل عليه هذا المصطلح بحاجة إلى تحليل علاقاته وتواصلاته، إشاراته واتفاقياته، أي أننا بحاجة إلى بحث أنتروبولوجي عميق في هذه الظاهرة، باعتبارها ذاكرة جماعية. وفي الأخير فالشخصيات في الرواية متنوعة وعلاقاتها دائرية وليس علية، والشخصية المحور هي (عبد الله الفقيه). الناقد "عبد السلام ناس عبد الكريم" يقدم "مدارات الغربة والكتابة" ل"أحمد المخلوفي": "مدارات الغربة والكتابة" غوص في ذاكرة الشمال، وغوص عميق في الذات، هو عمل رائد من أعمال الرواية التطوانية، له وجهة مميزة تميزه عن الأعمال الأخرى وللتأكيد على هذا التميز عقد الناقد "عبد السلام ناس عبد الكريم" مقارنات مع روايات أخرى صادرة بمدينة تطوان. هذه القراءة للناقد للعمل السردي الروائي"مدارات الغربة والكتابة" هي القراءة الثانية لهذا العمل بعد القراءة الأولى التي أنجزها ونشرت بجريدة العلم الثقافي بعنوان (دلالات الحلم والغربة) وكانت تركز على جانب المضمون والمحتوى كمدخل لفهم هذا العمل. أما هذه القراءة الثانية فركزت على الجانب الفني الأسلوبي، الذي كان غفلا في القراءة الأولى. إن عمل "مدارات الغربة والكتابة" يفاجئنا – يقول الناقد- باكتمال النضوج الفني للتجربة الإبداعية للرجل منذ أضمومته القصصية الأولى، عمل يحير القراء بصمته الناطق، وبطريقة عرضه للأحداث، ونقل الصور، والإيقاع العجائبي، وسبر العوالم الذاتية بأبعاد الواقع المشترك، وبالواقعية الصريحة والمباشرة. وتمحورت قراءة الناقد في محورين: الأول: حواشي الإبداع ومظاهره الفنية: تطرق فيها لنبوءة التغيير والوهم الإيديولوجي، والذي استأثر بالمتن الروائي، وبموضوع المركز والهامش بالرواية (حي الصومال) كترميز لباقي التهميشات الاجتماعية والثقافية و….. إنها رواية متعددة الأصوات والأساليب في طريق البحث عن صورة المقدس والمدنس، والتركيب الإشكالي للبناء الاجتماعي والديني والفني المعقد، وفي البحث عن عمق الهوية وتحقيق عمق التماهي، في فضح التناقضات المجتمعية والهشاشة الحزبية والحركات السلفية وفشل القومية، والسارد في هذا يستقي من فكره الكثير… المحور الثاني: تجليات المخيال السوريالي والبعد الواقعي: المخيال السوريالي ب"مدارات الغربة والكتابة" هو ضمن توصيف عالم متسام عن الواقع ليس بعيدا عنه ولكنه يحقق الاتصال بالواقع بمعنى أن السوريالية المقصودة هي البحث عن دفق جديد للواقعية. هذه السمة يتسع لها الحكي بين حلقات السرد ( الترابط بين الآلية الفردية والجماعية/ تجسيد الإحباط والإبداعية). وإذا كانت القيم الدينية تمثل أهمية كبيرة في الطفولة، وتتغير عبر العمر من الخصوصية إلى العمومية، فإن مدار الحلم ب"مدارات الغربة والكتابة" كان حول هذه القيم في محاولة لتحقيق الانسجام بينها وبين الواقع(مشهد جزيرة الشعراء) حيث يتوسل الكاتب في ذلك بالشجن الإبداعي والاستبطان الصوفي والاحتفاء بالذاكرة.