في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها قضية وحدة المغرب الترابية بعد المقترح الذي تقدمت به الولاياتالمتحدةالأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي والقاضي بتوسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان داخل الصحراء المغربية، تابع الجميع ليلة الثلاثاء الماضي 16 أبريل 2013، حلقة برنامج "قضايا وآراء" على القناة التلفزية الأولى الذي يقدمه وينشطه الإعلامي المخضرم، عبد الرحمن العدوي، والتي تم تخصيصها لهذا الحدث الهام الذي بات حديث الساعة وطنيا ودوليا، حيث استضاف قياديين حزبيين بارزين، ويتعلق الأمر بكل من عبد الكريم بنعتيق، الأمين العام للحزب العمالي، والحسن بوقنطار، عضو اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومحمد المعزوز، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، وامباركة بوعيدة، عضوة المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأمينة ماء العينين، برلمانية عن حزب العدالة والتنمية، وعبد الله البقالي، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ومدير جريدة "العلم" الوطنية لسان حال نفس الحزب.. وإذا كان كل هؤلاء السياسيين أجمعوا على نقطة واحدة، وهي رفضهم المطلق للمقترح الأمريكي الذين اعتبروه "مفاجئا ويشكل انقلابا خطيرا في الموقف الأمريكي اتجاه قضية الوحدة الترابية للمغرب"، فإنهم بالمقابل لم يكلف أحد منهم نفسه عناء تفسير معنى توسيع صلاحيات "المينورسو" وما هي العوامل التي أدت إلى وصول المغرب إلى هذه الوضعية وكيف تسنى لأمريكا قلب موقفها بهذا الشكل، بل إن بعضهم ذهبوا في تدخلهم حد تلويحهم بإمكانية اللجوء إلى خيار الحرب إذا ما تمت المصادقة على المقترح الأمريكي السالف الذكر، مؤكدين أن "المغرب على أتم الاستعداد لهذا الخيار"… هذه الحلقة من البرنامج المذكور، لم تخل كذلك من إرسال رسائل مشفرة ذات طابع سياسي وحقوقي إلى من يهمهم الأمر وطنيا ودوليا، من أبرزها حضور القيادي الوطني بحزب العدالة والتنمية سابقا، والذي تم اعتقاله ضمن ما سمي بشبكة "بلعيرج" يوم 18 فبراير 2008، حيث وجهت له تهمة "تكوين شبكة إرهابية" ليقضي إثرها أزيد من ثلاث سنوات وراء القضبان قبل أن يتم الإفراج عنه رفقة العديد ممن اعتقلوا معه في نفس "الشبكة" شهر أبريل 2011 بموجب عفو ملكي شامل، العبادلة ماء العينين ذي الأصول الصحراوية الذي كان جالسا في "البلاطو" مع الضيوف وراء برلمانية حزبه، أمينة ماء العينين، المنتمية بدورها إلى منطقة الصحراء المغربية والقاطنة حاليا بمدينة القنيطرة، وإذا استحضرنا صفة هذا الأخير الحقوقية، والمتمثلة في كونه عضو سابق في "منتدى الكرامة لحقوق الإنسان" الذراع الحقوقي لحزب المصباح ومنسق للجنة التقنية بها وعضو شرفي بالمركز المغربي لحقوق الإنسان، وكذا كونه معتقل سابق بتهم "ثقيلة"، يتضح جليا مدى الرسالة التي أراد من خلالها هذا الحزب تمريرها للجهات المعنية داخل المغرب وخارجه، خاصة وأن جبهة "البوليزاريو" أضحت تلعب على ورقة حقوق الإنسان بالصحراء كوسيلة ضغط وحيدة على المنتظم الدولي، في الوقت الذي يشهد فيه المغرب تدهورا مضطردا في هذا المجال، أمام الاهتمام المتزايد الذي يوليه له الغرب ومراقبته الدقيقة لتطورات الأوضاع الحقوقية ببلادنا.. ففي الوقت الذي تنفق فيه الجزائر، راعية كيان "البوليزاريو" الوهمي، الملايير من أموال البترودولار من أجل تسويق هذه القضية دوليا واعتمادها مقاربة دبلوماسية ناجعة مكنتها من كسب عدة نقاط لصالحها، ظل المغرب يراهن على المقاربة الأمنية المحضة عوض التركيز على تسويق قضيته الأولى ديبلوماسيا وسياسيا لدى الأممالمتحدةوعواصم الدول الغربية المؤثرة في مجلس الأمن الدولي، وفي مقدمتها واشنطن ولندن وموسكو وبكين، في ظل الفشل الواضح الذي أبانت عنه ديبلوماسيته الخشبية، حتى استفاق على صدمة القرار الأمريكي القاضي بتوسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان داخل التراب الصحراوي المغربي، دافعا بذلك فاتورة انبطاحه السياسي للعم سام وحلفائها دون حصده لأية نتيجة تذكر وراءه. إن كل من يتابع عن كثب قضية وحدتنا الترابية، لا بد له أن يستنتج مدى قصور الدبلوماسية المغربية وسياستها اتجاه هذا الملف بصفة عامة، خاصة وأنه يلاحظ مدى تزايد الضغوطات الخارجية عليه فيما يخص قضية حقوق الإنسان بهذه المنطقة الحساسة، بدءا من ما سمي ب"مجموعة التامك ومن معه"، مرورا بقضية الانفصالية "أمينتو حيدر" وما صاحبها من ضجيج إعلامي وحقوقي واسع على المستوى الدولي، ليتلقى بعدها ضربة موجعة من الجارة إسبانيا التي تدخلت بكل ثقلها في الملف حتى قبل بعودتها مجددا إلى العيون، وليس انتهاء بقضية أحداث مخيم "أكديم إيزيك" في نونبر 2010 الذي تم انتهى نهاية مأساوية راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، هذا الأخير تم استغلاله من طرف أعداء المغرب أسوأ استغلال، ليتفاجأ الرأي العام الوطني بتشكيل البرلمان المغربي للجنة لتقصي للحقائق حول تلك الأحداث أسندت رئاستها آنذاك لواحد من أكبر المتورطين في قضايا الفساد على المستوى الوطني، رشيد الطالبي العلمي، الذي كان يترأس فريق التجمع الدستوري الموحد بمجلس النواب، إلى جانب 12 برلمانيا آخرين من كلا الغرفتين ينتسبون إلى أحزاب مختلفة، وهي اللجنة التي لم تأت بأية نتيجة تذكر، كما توقع الجميع آنذاك، إذ أن اللغز الخطير والمحير إلى حدود الساعة في تلك الأحداث الدراماتيكية هو تواجد إلياس العماري المقرب من فؤاد عالي الهمة وأحد مؤسسي حزب الأصالة والمعاصرة لمدة 18 يوما بمدينة العيون، قبل اندلاع الأحداث العنيفة، حيث كان ينسق مع والي جهة العيون آنذاك، محمد جلموس، المقرب من حزب الأصالة والمعاصرة، والذي تم إعفاؤه مباشرة بعد تلك الأحداث المشؤومة، ورافق نشوء أولى خيام "أكديم إيزيك"، لتظل التساؤلات المحيرة في هذا الأمر إلى حدود الساعة دون أن تجد لها جواب: باسم من كان يتحدث إلياس العماري الذي كان يقدم نفسه للناس بأنه صديق الملك ؟؟ وكيف منع الوالي جلموس والعماري شيوخ القبائل من التدخل لحل المشكل ؟؟ وكيف سيطر الانفصاليون على المخيم ومنعوا الوالي من دخوله ؟؟ ومن اختار توقيت فك المخيم في تزامن مع انطلاق المفاوضات حول الصحراء بمانهاست آنذاك ؟؟ ومن المسؤول عما حدث ؟؟ وهل يكفي تبرير العناصر الانفصالية والأيادي المخابراتية للجيران لتفسير ما وقع ؟؟ بل من المستهدف بإيصال رسالة الاحتجاج الذي انطلق بخلفية صراع حزبي في المنطقة ليتحول إلى دولة وسط الدولة بتنظيم محكم؟؟ ودون الدخول في تفاصيل هذه الأحداث التي قيل في شأنها الكثير إبانها، أليس حري بنا الآن، في ظل المستجدات الراهنة حول هذه القضية الشائكة، مساءلة أنفسنا عماذا استفدناه من كل هذه التجارب ؟؟ ولماذا لم نستغل الفرصة حينها لكسب تعاطف المنتظم الدولي وإقناعه بعدالة ومشروعية قضيتنا الوطنية ؟؟ بل لماذا تركنا المجال فسيحا أمام أعدائنا لكسب المزيد من النقاط لصالحهم مقابل دخول دبلوماسيتنا في سبات عميق وكأن القضية تم حلها وطوي الملف بشكل نهائي ؟؟ هكذا، وكما دأبت على ذلك، في انتظار تاريخ 25 أبريل الجاري، موعد نظر المجلس الأمن الدولي في هذا القرار المثير للجدل، بدأت، وعلى حين غرة، الدبلوماسية المغربية بالتحرك بسرعة وكثافة، في سباق اللحظة الأخيرة، مع المشروع الأمريكي السالف ذكره، والمبعوثون المغاربة يتنقلون بين عواصم الدول الكبرى المعنية بالنزاع، في ظل تقارير متباينة حول مواقف هذه الدول من مشروع القرار الذي يدعو الى وجود آلية دولية تابعة للأمم المتحدة لمراقبة حقوق الانسان في منطقة الصحراء. ويحرص المسؤولون المغاربة على إبراز أن مشروع القرار الأمريكي الأحادي والمنحاز، الماس بالسيادة المغربية على صحرائه ويهدد استقرار المنطقة المهددة أصلا بنشاطات الجماعات المسلحة المتشددة في منطقة الساحل والصحراء، جاء بمبادرة فردية من مسؤولين بالإدارة الأمريكية بدون علم أو تشاور مع الإدارة، موحين أن هناك إرادة لتعديل الموقف والتراجع عن مشروع القرار المذكور.. كما نشط الدبلوماسيون الأوربيون المعتمدون بالمغرب لإعداد تقارير حول حقوق الإنسان، إذ وصل إلى مدينة العيون المغربية وفد مشترك من سفارات الدول الأسكندنافية، وهي: فنلندا والسويد والنرويج والدانمارك، والتقوا عددا من المنظمات والهيئات والناشطين الحقوقيين، بينهم ما يسمى ب"الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة من طرف الدولة المغربية" التابعة لانفصاليي الداخل، إذ أن هذه الأخيرة قالت في بيان نشر على موقعها، أن الوفد "استمع خلال اللقاء إلى عرض مفصل لأوضاع حقوق الإنسان قدمته نائبة رئيس الجمعية، الغالية دجيمي، كما شاهدوا تقارير صورت حديثا تثبت تورط قوات الأمن المغربية في سلسلة انتهاكات طالت مواطنين صحراويين جلهم من النساء"، على حد ما جاء في هذا البيان.. داخليا، بدأت الدعوات لمسيرات مليونية ووقفات احتجاجية أمام السفارة الأمريكية في الرباط يوم الأحد القادم 21 أبريل 2013، وتهاطلت بيانات الأحزاب، التي تسرع عادة لإصدارها، وتصريحات زعمائها الرافضة للمشروع الأمريكي والمنددة به.. وهي خطوات عديمة الجدوى والفعالية طبعا، ما لم تتدارك الدبلوماسية الوطنية هفواتها في ما تبقى من أيام معدودة على تاريخ التصويت على القرار الأمريكي المذكور.. وفي انتظار ذلك، هل يا ترى ستنجح هذه المرة الدبلوماسية المغربية في إقناع المنتظم الدولي بعدالة قضية المغرب الوطنية، أم ستستمر في ركودها المعهود معتمدة في ذلك على سياستها التملقية الانبطاحية وتسويق الوهم للمغاربة، مرددة مقولتها المعهودة: "قضية الصحراء محط إجماع وطني" ؟؟