يوسف أريدال [email protected] المتتبع لما يحدث في المشهد الحزبي هذه الأيام ويضع مقارنات بين الماضي والحاضر، يخرج بخلاصة مفادها أن السياسة المغربية أصبحت تسير بالمقلوب، والأحزاب المغربية انحازت عن أدوارها وأصبحت قبل أي وقت مضى بيادق يلعب بها من وراء ستار، لخدمة أجندات خاصة وبعيدة عن الشأن العام، ولا تستطيع أن تفرض رأيها أو أن تفاوض وتقوم بما تراه يتماشى مع أدبياتها وأجنداتها التي تناضل من أجلها، وبرامجها المسطرة والتي تعاقدت مع الشعب من أجل تحقيقها، ويتجلى هذا واضحا من خلال عشرات من الأمثلة التي تحصل بين الفينة والأخرى، منها ما وقع بعد وفاة والدة خالد عليوة، هذا الأخير المعتقل بتهم تتعلق ب "اختلالات مالية وفساد إداري" أيام كان مدير عام سابق للقرض العقاري والسياحي، بحيث تم استقباله وتقديم العزاء له من طرف حفيظ بن هاشم المندوب العام للسجون في مكتبه الخاص، متحديا القوانين والقواعد التي تحدد كيفية تعامل موظفو إدارة السجون مع المعتقلين، وإخباره بأن وزير العدل سمح له بالخروج لساعتين لتشييع جنازة والدته، لكن خالد عليوة رفض عرض وزير البيجيدي، قبل أن يأتي خبر بأن هناك التفاتة ملكية متعته بإذن قضائي يمنحه مغادرة السجن لمدة أربعة أيام. تمكين عليوة من الحضور لجنازة أمه والسماح له بأربعة أيام دون المرور من وزير العدل يطرح ملفا عريضا ، في الوقت الذي ظن الكل أن "الدستور الجديد" قد قطع مع عهد الأوامر الفوقية والتأسيس لحياة سياسية جديدة ، فإذا رجعنا إلى القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية نجد أن المادة 46 من الفرع الرابع الخاص بالرخص الاستثنائية للخروج، ينص على أنه " يمكن لوزير العدل، أن يمنح لبعض المدانين الذين قضوا نصف العقوبة والمتميزين بحسن سلوكهم،إما تلقائيا، أو بناء على اقتراح من مدير إدارة السجون، رخصا للخروج لمدة لا تتعدى عشرة أيام، خاصة بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية، أو بقصد الحفاظ على الروابط العائلية أو لتهيئ إدماجهم الاجتماعي" فالنص القانوني واضح في الهيئة المنوط بها إعطاء تراخيص للخروج من المؤسسة السجنية وكذا الحالات التي يمكن لها السماح بالخروج ولا تترك المجال للتأويل القانوني الذي يمكن أن يكون مطية لضعاف النفوس لتبرير مثل هذه الهفوات السياسية. وغير بعيد عن الجهاز القضائي، فجرت قضية ابن عائلة نافذة وثرية زلزلة قضائية جديدة تفند كل الأكاذيب باستقلالية القضاء المغربي، فبعد حادثة سير مأساوية أدخلت الإبن في غيبوبة، وذهبت بحياة أمه وأخته بعد دهسهم من طرف إبن عائلة ثرية بسيارة الجكوار وهو يقودها بسرعة جنونية في حالة سكر، وبعدما حضرت الشرطة التي عاينت الحادثة وقامت بالإجراءات القانونية، أنجزت محضرا على مقاس يبرئ السائق، ليطوى الملف عند هذا الحد، ولم ينظر في الأمر إلا بعد دخول أحد أقارب العائلة الذي تجمعه علاقة مصاهرة بواحد من أفراد الحكومة، حيث أعيد المحضر، وتم اعتقال صاحب الجاكوار للمتابعة، لتدخل عائلة الثري في ممارسة الضغوط على العائلة من أجل التنازل عن الدعوى مقابل 500 مليون سنتيم، التي ضوعفت لتبلغ مليارا أمام تشبث العائلة باستمرار القضية أمام المحكمة، وكان الوسيط بين العائلة الثرية والضحايا هو القاضي الذي يتابع الملف والذي حضر الجنازة ودخل مع العائلة في مساومة من أجل التنازل عن الدعوى، في مشهد خطير يبين حجم الفساد التي ينخر جسم القضاء، من غير أن نرى تحرك لفعاليات حقوقية وللوزارة الوصية من أجل الضرب من حديد على المتلاعبين من جهاز القضاء ليصبحوا عبرة للآخرين، فقضية فساد من هاته الشاكلة والتلاعب بدم ضحايا أبرياء لا يكفيه إعفاء القاضي من متابعة هذا الملف، وتكليف غيره، وإنما وجب تحريك المسطرة القانونية في حقه وفي حق كل من تتدخل في الملف سواء كان من سلك القضاء أو من العائلة التي قدمت الرشوة، وكذا رجال الشرطة الذين عاينوا الحادثة وقاموا بتحرير محضر منافي لوقائع الحادثة. وكالعادة انتشار ملفات وفضائح في تسيير دواليب الدولة، دون أن تجد صدا لذا النيابة العامة من أجل تحريك محاضر في حق من ذكرت أسماؤهم ومعاقبة كل من تمت إدانته، ولا من ظرف الوزير الوصي لتحري وفق ما يخوله له القانون في هذا الشأن، ليظهر على أن الكائن الحزبي في المغرب مازال لم يستطع أن يتحول من النظرية السياسية إلى الممارسة العملية على أرض الواقع، وهذه من المشكلات التي تعوق الأحزاب المغربية التي مازالت لم توفق بين النظرية والممارسة في خطابها، فحزب العدالة والتنمية مثلا الذي ينتمي إليه وزير العدل جاء ببرنامج انتخابي هدفه محاربة الفساد والاستبداد، ولعل الصحافة المغربية سواء الورقية أو الالكترونية تفتل في هذا الحبل، وتعمل على كشف ملفات للفساد واستغلال النفوذ وهدر المال العام.. إلا إن هذا الشعار لم يعد يغري أبناء البيجيدي لاسيما بعد الوصول إلى رئاسة الحكومة، لتتغير الخطة والاكتفاء باللوم والعتاب للعفاريت والتماسيح والسجالات الفارغة التي أصبحنا نشاهدها في البرلمان، ولعل ملف تسريب الوثائق التي تثبت لعبة أعطيني نعطيك بين صلاح الدين مزوار وزير المالية السابق ونور الدين بنسودة الخازن العام للمملكة لتوجه مناقض لخطاب الحكومة الداعي إلى محاربة الفساد، فعوض إجراء بحث مع كل من مزوار وبنسودة، حسب ما أمر بذلك وزير العدل، لمعرفة مدى قانونية تلك التعويضات، فإنه لم يتم الاستماع إليهما لحد الآن، في حين تم التحقيق بسرعة مع الموظف المشتبه به وآخر متهم بالمشاركة في تسريب الوثائق، ومن صمت الوزير الرميد المطبق الذي تتوالى عليه الضربات دون أن نسمع له مرافعة مثل مرافعات أيام المعارضة في البرلمان، وكيف كان يصول ويجول في انتقاد كل ما يقوم به وزراء الحكومات السابقة وتقصيرهم في متابعة ملفات الفساد التي تنشر في صفحات الجرائد، إلى أخيه الأستاذ بن كيران الذي كان من أشد الساخطين على الوضع، والمسرحي البارع الذي يتقن فن البهرجة واستمالة العقول الضعيفة، وإتقان دور المنقذ من الضلال صاحب العصا السحرية التي ستنقذ البلاد من سياسة الفساد والاستبداد، والذي لم يكن يتورع من نعت مستشارين الملك وحاشيته بأنهم أصل البلاء ومربط الفساد، واتهامه لهم كذلك في خرجات إعلامية كثيرة بأنهم يقفون وراء شخصيات سياسية وازنة ، وكانت من أقوى المشاهد المسرحية التي لعبها بنكيران في تجسيد ووصف الهيمنة التي يقوم بها مستشارو الملك في مختلف المجالات أواخر سنة 2011 في خطاب جماهيري أمام أبناء الحزب حيث قال:" المغرب يا جلالة الملك لم يعد يقبل أن هناك أمثال الهمة والماجيدي والعماري لا حتى شي واحد..نعم يا جلالة الملك لم يعد يقبل أن يكون هؤلاء يتحكمون في الحكومة ويعطون التوجيهات بالهاتف ويخيفون رجال الدولة ويشتمون المدير العام للأمن الوطني ويعطون التوجيهات للقضاة ويستمدون القوة من القرب منك هم يفسدون في الأرض ولا يصلحون وهذا غير مقبول….هادو ولي تيسمع ليهوم في الهاتف تيمثلو الاستعمار.. يريدون السيطرة على الشعب بالعصا والجزرة والأساليب البالية و التجسس التي أسقطت بن علي حفظك الله يا مولاي ورعاك وأسقطت مبارك حفظك الله يا مولاي..ولا سبيل لذلك إلا بالتخلص منهم اليوم "، من كان يتابع خرجات بن كيران أنذاك وشجاعته في انتقاد المربع الملكي وفؤاد عالي الهمة على الخصوص وتوزيع التهم والشتائم يمينا ويسارا، سيقول على أن بنكيران إن كتب له وأصبح رئيس للحكومة، لن يتهاون في الدفع بمحاسبة الخارجين عن القانون والذين يستغلون المؤسسة الملكية في تحقيق مآرب خاصة إلى القضاء ليقول كلمته، ويطوي مع "بقايا عهد البصري". لكن العكس هو الذي حصل، فما إن سُلم عبد الإله بن كيران مفاتيح رئاسة الحكومة حتى أصبح الهمة بقدرة قادر من مستشاري الملك ، لتضفى له شرعية أوثق من السابقة، لتعطى أولى الإشارات إلى بن كيران، حول كيف يجب ان يكون تصور عمله في الحكومة إلًى بَغا يدوز سربيسو على خير، وماهي إلى فترة وسافر ملك البلاد إلى فرنسا وكلف الهمة بما أنه المستشار السياسي بأن يتابع مع بن كيران في غيابه قضايا البلد ، ليصبح الهمة شر لابد منه، ويجب عليه أن يتعايش معه ويقبل بما جادت به سياسة الإصلاح من داخل المؤسسات التي اختارها الحزب عن طواعية. وطبيعي أن حجم الإهانات التي تعرض إليها الهمة من عند أخينا بن كيران، لابد يوما وأن يرد الصاع صاعين وأكثر، وما واقعة منع رئيس الحكومة من الحضور إلى حفل اختتام مهرجان شبيبة الحزب من طرف وزارة الداخلية إلا بعض الإشارات من رجالات الهمة بالداخلية، وبعدها ما تعرض له عبد الصمد الإدريسي على يد القوات العمومية، اعتداء على رجل يشتغل في مؤسسة دستورية كالبرلمان ومن حزب رئيس الحكومة، رسالات من تحت الحزام تحتاج إلى قراءة متأنية من طرف الحزب وإعادة التفكير في مسار الحزب الذي جاء إلى الحكومة ليحارب الفساد والاستبداد، ليصبح لقمة صائغة في فم الاستبداد، فسبحان مبدل الأحوال.