تناسلت في الآونة الأخيرة عدة قصاصات إخبارية ومقالات عن الخطر القادم من صفحات "سكوب الفضائحية" التي بدأت تنتشر كالنار في الهشيم وأصبحت المدن تتساقط في شباكها المدينة تلو الأخرى، فمن عاصمة الغرائب مراكش/بانكوك إفريقيا إلى سطات، ثم أكادير وأسفي ومدن أخرى، كل مدينة تسقط تعيش حالة من الحزن وإيقاعات من ألبوم المآسي ونوتات تعزف من ديوان الطريق إلى الانتحار . لكن الغير مفهوم هو التعاطي الذي خلفته هذه الصفحات الفايسبوكية من ردرد عند عدد من الصحافيين الذين خاضوا في الموضوع وكذا رواد الشبكات الاجتماعية ومنها الفايس بوك، وغالبية الآراء تذهب إلى إدانة ناشري الصور واتهامهم بنشر الرذيلة والتطفل على "الحرية الفردية" وتعريض حياة أسر بكاملها إلى التفكك والضياع بسبب تلك الصور والفيديوهات، وتناسوا المسؤولية الملاقاة على "المنشورة" في الصورة أو بطلة فيديو إباحي والتي تتحمل قسط من المسؤولية ، فلو لم تكن الصورة لا ما وُجدت صفحات من هذا القبيل ولما وجدت كل الكوارث التي تخلفها، مما يدفعنا إلى التساؤل عن غرض الفتيات من تصوير أنفسهم عاريات وفي مواضع مخلة بالأخلاق ومشاهد جنسية ولقطات خادشة للحياء، وصور تؤرخ لفترات من النشوة والتباهي بالتضاريس الجسدية والتفنن في تصويرها، -أنا هنا لست أنصب نفسي محامي عن الأشخاص الذين ينشرون غسيل البنات المغربيات على صفحات "سكوب الفضائحية" والمواقع الإباحية، وإنما في معرض إثارة الموضوع لإعادته إلى السياق الصحيح الذي يجب أن يناقش منه، بعيدا عن كل حساسية أو انحياز لأي طرف- كيف تنتشر الصور العارية في الفضاء الافتراضي ؟ تتعدد الوسائل التي أصبحت تنتشر بها المعلومة ليس في بلاد معينة وإنما في ربوع العالم بأسره، فمع الغزو التكنولوجي الذي عرفه العالم في السنوات الأخيرة ،بدأت تظهر سلوكيات وظواهر جديدة في المجتمع المغربي الذي مازال في طور اكتشاف هذه التكنولوجيات ووسائل الاتصال الحديثة ، فمع الهواتف الذكية والكاميرات المتطورة ومواقع التواصل الاجتماعي أصبح الفضاء الافتراضي مفتوحا أمام الجميع، بدون قيود أو قوانين تحكم المتبحرين فيه، مما خلف مكان خصبا للكل للتعبير عن الذات كل من مستواه الثقافي والأخلاقي، ونظرا لجهل عدد كبير من مستعملي هذه التكنولوجيات الحديثة وعدم درايتهم الكافية بوسائل الحماية، جعلهم ضحايا التكنولوجيا في أيادي لا تقبل الرحمة. فالهواتف المحمولة تعتبر المصدر الأول الذي يساهم في ظهور الصفحات الفضائحية، فجل الفتيات المراهقات يتوفرن على هواتف محمولة بها كاميرا، يلتقطن صوراً لبعضهن البعض في لجظات من أجل التسلية في مواقف هزلية أو في لحظات حميمية، ويتبادلن هذه الصور والفيديوهات عبر البلوتوت في أماكن عامة، مما يعرضهن إلى السقوط في شباك القراصنة والتسلل إلى الهاتف وتحميل كل الملفات المخزنة فيه، كما أن الفتيات حين يغيرن هواتفهن ويشترين هواتف جديدة يكتفين بمسح الصور، لكن أي شخص حصل على هاتف منها بإمكانه إعادة استرجاع الصور ببرامج إلكترونية سهلة وفي متناول الجميع، رغم أن الصور مسحت من الذاكرة الداخلية للهاتف، هذا إلى جانب خطر آخر يتهدد الكل فهو احتمال سرقة الهاتف أو ضياعه، مما يجعل الأغراض الشخصية الموجودة بالهاتف في أيادي غريبة لا تعرف ما يمكن أن يفعل بها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ومع تنامي خطر تقنيات اختراق البريد الإلكتروني عن طريق القرصنة، إذ يسهل أمر الدخول إلى حساب فيسبوك أو المواقع الاجتماعية الأخرى أو البريد الإلكتروني للضحية، وتحميل كل الصور والملفات وإعادة نشرها،وأساليب هذه التقنية وإن كانت أغلبها تقليدية إلا أنها مازالت تنطلي الحيلة على المغاربة بها.إلى جانب الدردشات الفورية التي توفرها بعض البرامج أو المواقع والمنتديات التي تكون مرتعا للروابط الملغومة والفيروسات وبمثابة سوق خمس نجوم لهواة الاختراق العشوائي والهاكر المبتدئين للإيقاع بالضحايا تحت ذريعة التعارف واكتشاف أصدقاء جدد. ما الحل ؟ ظاهرة مثل هذه لا يكفي أن تعالج بالحل الأمني، ومتابعة وتحليل الآثار الرقمية وغلق الصفحات ورمي صاحبها في السجن"الأكاديمية الوطنية المتعددة التخصصات في تكوين المجرمين" فقط ٬ بل بالأحرى الغوص في عمق الظاهرة دراسة وتحليلا علميا وأبحاث ميدانية، لكشف الخيوط الكامنة وراء هذه السلوكيات، التي يظهر بالأساس أن من بين الوسائل التي أدت إليها، الغياب الحاصل في مؤسسة الأسرة والمدرسة كرافدين مهمين من روافد التنشئة الاجتماعية، وما عانته من تدمير ممنهج وتخريب، فهدم الأسرة النواة المهمة وحجر الزاوية في المجتمع التي بصلاحها ينهض المجتمع تقدما وتطورا،وكذلك المدرسة التي نالها حظ وافر من النسيان والإهمال، وجلب قوانين "الخردة" من دول أجنبية دون مراعاة للظرفية التي تعيشها البلد ولا لشح الموارد البشرية وضعف البنية التحتية لنحكم على القطاع بالتشرد بين هوى المسؤولين وأطماع الحاقدين،كل هذا يجعلنا ندق ناقوس الخطر على أن استمرار سياسة "النعامة" عند كل فضيحة وخلق المبررات الواهية، لن يفيد البلد في شيء بل سيزيد من مثل هذه الظواهر تفسخا وانحلالا. يوسف أريدال [email protected]