لم يحمل خطاب الرئيس دونالد ترامب، الذي توجه به مساء أمس الثلاثاء إلى الأمريكيين، ولا مواقف قادة الحزب الديمقراطي التي أعقبته، أي بوادر لحل قريب لأزمة الاغلاق الحكومي التي دخلت يومها الثامن عشر جراء الخلاف المستحكم بين الطرفين حيال بناء جدار حدودي مع المكسيك يصر الرئيس ترامب على تمويل بنائه كشرط للتوصل الى اتفاق حول الموزانة العامة، فيما يعتبره الديمقراطيون "غير إخلاقي ومكلف وغير مجد". ففي خطابه الأول إلى الأمة من المكتب البيضاوي، والذي استغرق تسع دقائق، تسلح دونالد ترامب بكل وسائل الإقناع، على المستويين الأمني والإنساني، لكسب ود الأمريكيين، وإبراز وجاهة موقفه المتشدد حيال بناء الجدار الحدودي مع المكسيك، وفي الوقت نفسه تحميل الديمقراطيين، الذين باتوا مسيطرين على مجلس النواب، مسؤولية الإغلاق الحكومي جراء رفضهم لهذا المطلب الذي يعد، برأي الرئيس، من صميم الأمن القومي الأمريكي الذي نذر نفسه لصونه وحمايته. وقال ترامب، في هذا السياق، "على مر السنين، قتل الآلاف من الأمريكيين بوحشية من قبل أولئك الذين دخلوا بلادنا بشكل غير قانوني، وستفقد الآلاف من الأرواح الأخرى إذا لم نتصرف على الفور"، مضيفا "حدودنا الجنوبية هي بوابة ولوج لكميات هائلة من المخدرات، بما في ذلك الميثامفيتامين والهيروين والكوكايين والفنتانيل". وأنحى الرئيس الأمريكي باللائمة على الديمقراطيين الذين "يرفضون تمويل أمن الحدود"، مشيرا إلى أنه طلب مجددا تخصيص مبلغ 5,7 مليار دولار "لبناء حاجز فولاذي بدلا من الجدار الأسمنتي". رد الديمقراطيين على خطاب الرئيس الأمريكي لم يتأخر كثيرا إذ لم تكد تمضي دقائق حتى خرجت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وزعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشوك شومر، في تصريح قوي بث مباشرة على الهواء، انتقدا فيه "اصطناع" ترامب لأزمة على الحدود الجنوبية، مطالبين إياه "بإعادة فتح المرافق الحكومية فورا". واعتبرت نانسي بيلوسي أن دونالد ترامب "يأخذ الأمريكيين رهينة للإغلاق الحكومي بهدف وحيد هو الحصول على تمويل لبناء حاجز على الحدود مع المكسيك". وأضافت "يجب على الرئيس ترامب التوقف عن أخذ الأمريكيين كرهائن، والكف عن اختلاق أزمة هجرة وأزمة إنسانية على الحدود، ويجب أن يعيد فتح المرافق الحكومية". وأوضحت بيلوسي، التي أعيد انتخابها للمرة الثانية رئيسة لمجلس النواب، أنه مند اليوم الأول لتنصيب الكونغرس في ثالث يناير الجاري، أقر الديمقراطيون في مجلس النواب نصوصا وافق عليها مجلس الشيوخ "لإعادة فتح المرافق الحكومية وتمويل حلول ذكية وفعالة لضمان أمن الحدود". بدوره، اعتبر تشوك شومر أن الرئيس سخر المكتب البيضاوي "لافتعال أزمة وتغذية الخوف وتحويل الأنظار عن الفوضى في إدارته". وخاطب شومر الأمريكيين بالقول "لا تخطئوا، فالديمقراطيون والرئيس جميعهم يريدون تقوية أمن الحدود، لكننا نختلف بشدة مع الرئيس حول أفضل السبل للقيام بذلك". وفي ظل استمرار الخلاف الذي كرسته أكثر المواقف التي عبر عنها الطرفان أمس، تتواصل معاناة عشرات الآلاف من الموظفين والأسر الامريكية من تداعيات الإغلاق الحكومي الذي بدأت تأثيراته تلوح في الكثير من مناحي حياتهم. وفي هذا الإطار، سلطت صحيفة "نيويورك تايمز"، أمس الثلاثاء، الضوء على هذه التداعيات، مشيرة الى أن عددا كبيرا من الأسر الأمريكية اضطرت إلى تأجيل طلباتها للحصول على قروض عقارية، كما عجزت المقاولات العامة على تحصيل الأموال، فيما أجبر الآلاف من أعوان مصالح الأمن على تواجد في مقرات العمل دون أن يتقاضوا مرتباتهم. وأوردت الصحيفة واسعة الانتشار أن الخبراء الاقتصاديين في وول ستريت يتوقعون تأثيرات وخيمة على الأمد الطويل على الاقتصاد الأمريكي، موضحة أن الخبراء في (بنك أوف أميركا ميريل لينش) خفضوا توقعاتهم المرتبطة بنمو الاقتصاد الأمريكي بحلول نهاية سنة 2018. وحذرلات من انعكاسات إغلاق حكومي طويل الأمد بدأت في بث المخاوف داخل الحكومة الفيدرالية وخارجها، مشيرة إلى أن الشركات الخاصة والمنظمات الخيرية شرعت في استكشاف سبل أخرى للتخفيف من وقع هذا الإغلاق.