طلعت علينا جريدة أخبار اليوم في عددها الصادر اليوم 02 نونبر 2012 في صفحتها الأخيرة بصورة بارزة، عنونتها : مخاطرة، وفيها ثلاثة تلميذات صغيرات يعبرن سكة الترام، وخلفهن تبدو القاطرة قريبة جدا منهن. وفي التعليق على الصورة كتبت “أخبار اليوم”: “تلميذات صغيرات يغامرن غير آبهات بحياتهن بالمرور من أمام التراموي بمدينة سلا.” والمتمعن في الصورة يكتشف أن في الأمر تدليسا واستخفافا بالقارئ واستبلادا له، ذلك أن الصورة الفوتوغرافية باعتبار طبيعتها الثابتة، لا تمكن قارئها من التمييز بين حالتي السير والتوقف لقاطرة الترامواي (وليس التراموي كما كتبت الجريدة)، فالمصور التقط الصورة والترامواي متوقف وليس متحركا حتى يشكل خطورة على العابرات الصغيرات! والدليل على ذلك أن السائق في وضع لا يسمح له بالسياقة، زيادة على وجود شخص آخر برفقته داخل المقطورة، والقانون الداخلي لا يسمح بوجود شخص داخل مقطورة القيادة خلال تحرك الترامواي. زد على ذلك أن الملاحظة الدقيقة للصورة تظهر جهة اليسار على مستوى الصغيرات عمودين خشبيين، في الغالب، هما لعربة يدوية، ما أكثر شبيهاتها بمدينة سلا، وهي بدورها متوقفة لأن صاحبها غير موجود أو هو على الأقل لا يدفعها وقت التقاط الصورة، لأنه لو كان الأمر كذلك لظهر في الصورة ! ثم انظروا إلى الأضواء الحمراء للعربة، وهي وحدها دليل قاطع على التوقف لا على السير.
ملاحظة أخرى في نفس المنحى: لو كانت الصغيرات تعبرن أمام الترامواي المتحرك (وليس من أمام) لكُن مسرعات الخطى، إلا أنهن كن يعبرن بهدوء والدليل ملامح وجوههن العادية تماما والخالية من كل استعجال أو ارتباك..
أبعد هذا يظن القائمون على الجريدة أن قراءها أغبياء إلى هذا الحد؟ وهم مستعدون لاستهلاك أي مادة تقدم لهم دون تمحيص أو قراءة نقدية؟
أم تحكمهم تلك النظرة القديمة للقارئ الذي يقدم له أي شيء باعتباره قاصرا عن الإدراك، وبالتالي فلا حول له أمام سلطة النشر الوهمية التي في عقول البعض مع الأسف.
لا أيها السادة ! استفيقوا ! ما عاد بيننا قاصرون بلداء ! الكل استفاق و”عاق”، وسلطة النشر الوهمية المعشعشة لم يعد لها من وجود إلا في عقلية أناس صعب عليهم مجاراة التحولات الابستمولوجية التي تعرفها المجتمعات في ظل الهبة الرقمية الكاسحة.