حينما أعلن حميد شباط، الأمين العام لكل من حزب الاستقلال والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، عن ضرورة لقاء الوزراء بالبرلمانيين الاستقلاليين، نواباً ومستشارين، فإنه أراد بهذا اللقاء أن يجعله بمثابة سُنَّة مؤكدة لا بد منها، ليس فقط من أجل التشاور والتنسيق قبل اتخاذ المواقف، بل من أجل إعادة التنظيم وفرض الانضباط داخل مؤسسة الحزب... أما إلى أيّ مدى تم العمل بهذه "السُّنَّة" الشباطية، فذاك متروك لقادم الأيام للتأكد من عملية تنزيلها إلى أرض الواقع. بعد هذا، كان محمد الوفا، الوزير الاستقلالي للتربية والتعليم في حكومة بنكيران، قد أثار ضجة بقراره الجريء المتعلق بوقف معاهد ومدارس التعليم الخصوصي تشغيل معلمي وأساتذة القطاع العام لديها، وما نتج وينتج عنه من مشاكل تربوية وتعليمية ألحقت أضرارا واضحة بالتعليم العمومي.
قرار محمد الوفا لم يعجب شباط الذي سيسارع، في أحد اللقاءات، إلى المبادرة بالقول بأن على أيّ وزير استقلالي أن ينسق مع حزبه قبل اتخاذ أيّ قرار، معتبرا في نفس الوقت أن خطوة الوزير الوفا قرار سياسي ينبغي التداول والتنسيق بشأنه داخل الحزب. بعد هذا، سَيَقْدم الوفا على خطوة أكثر جرأة تمثلت في نشر لائحة شخصيات تحتل مساكن وظيفية بالرغم من أنها لم تعد لها أية علاقة بقطاع التربية والتعليم .. ولا ندري طبيعة الخطوات أو القرارات التي سيتخذها الوزير الاستقلالي مستقبلا.
الذين يعرفون محمد الوفا، يقولون أنه يدافع ويتشبث بما يعتبره حقّاً أو مشروعا حتى النهاية. والذين يعرفون شباط يقولون أنه يلحّ على تنفيذ ما يقول ويريد، خاصة أن شباط اليوم ليس هو شباط الأمس: شباط اليوم ذو رأسين، رأس تشرف على حزب الاستقلال ورأس أخرى تراقب الاتحاد العام للشغالين. في كلمة واحدة شباط اليوم ذو الزعامتين؛ وليس واردا التفريط فيها فالأحرى تسليمها أو حتى تقاسمها. فتلك ثقافة أخرى ما زال سبيل الأخذ بها ليس في المتناوَل بعد.
إذن نحن الآن أمام رجلين من رجالات حزب الاستقلال كان لكل واحد منهما موقفه خلال المؤتمر الأخير للحزب الذي أفضى، في الوقت بدل الضائع بعد انتهاء الشوط الثاني، إلى انتخاب شباط على رأس الحزب، وهو ما لم يُرْض البعض في الحزب .. وما زالت تداعياته جارية؛ ولا شك أن ما ذكرنا سابقا شيء منها.
مسألة أخرى تثير اهتمام المتابعين للشأن الاستقلالي، تتمثل في برودة التعامل مع قرارات "الاستقلالي" الوفا، في الوقت الذي من المفترض من قيادة حزب الاستقلال دعم وزيرهم "الوفا"، إن لم نقل التضامن معه، خاصة وهو يتلقَّى الضربات تلو الضربات من مختلف الجهات: من بعض وسائل الإعلام ، من بعض الأحزاب، وداخل البرلمان... وكأنه "دون كيشوط" يصارع طواحين الهواء وحده، بينما "الإخوة المناضلون" يتفرجون على ما يجري أمامهم... في هذا الصدد أيضا، يُلاحَظ الموقف البارد جدا لجريدة"العلم" لسان حزب الاستقلال إزاء الوفا، حيث بدأت، مباشرة بعد انتهاء مؤتمر الحزب، في مناوشة وزيرها في التعليم .. ثم عدم الحديث بما فيه الكفاية عن القرارات التي اتخذها، وهي قرارات ليست سهلة.. قبل أن تغض الطرف عنه وتتركه لحاله يواجه الخصوم.. وكأنه ليس استقلاليا. هل هناك تيار داخل الحزب مناوئ لسياسة واختيارات الوفا يستند على خلفية ما وقع في المؤتمر الأخير لحزب الاستقلال؟ هل هناك من يريد تهيئ الأجواء لإبعاده عن الوزارة، إن لم نقل الإطاحة به في التعديل الحكومي الذي مافتئ شباط يطالب به؟ كيفما كان الحال، هناك حسابات ظاهرة وخفية في أروقة مركز باب الأحد، تنتظر فرصة تصفيتها..