تليكسبريس- بوجدور – الصحراء المغربية تحدث الروائي السعودي عبده خال ذات يوم فقال: " عندما تصبح خطواتك ناجحة، فإن ذلك من الطبيعي أن يولد لك أعداء، وبالتالي يتحين البعض الفرصة لتصفية الحسابات". هكذا اتضح أن الهجمات الشرسة التي تتعرض لها الأمازيغية لا سبب لها سوى الزخم و النجاح الذي تحققه يوما بعد يوم.
لقد تجرأ بنكيران بوقاحته المعهودة على التهجم على أمازيغ القرن الواحد و العشرين وهو يعلم علم اليقين أنهم ليسوا أمازيغ تهيا ولا أمازيغ عبد الكريم الخطابي وعسو سلام بل نوعا آخر من الأمازيغ سبق للفنان الكبير الدمسري أن قال عنهم: " يوف دارس كيلو ن يباون نتا تاشلحيت " بمعنى أن هذا النوع من الأمازيغ على استعداد لبيع الفضية الأمازيغية ولو بكيلوغرام من الفول ..
تحدى بنكيران بكل خبث جمهوره أن يسألوا المغاربة عن أي تمازيغت يريدون في الدستور، وقد كان لزاما عليه وأكثر قربا إلى الصواب والمنطق أن يسألهم عن أي نوع من الإسلام يريدون في الدستور.. هل إسلام حماس أم إسلام حزب الله أم إسلام طالبان الذين يحلون استعمال أموال المخدرات من أجل البقاء؟ أم إسلام العدل و الإحسان الموغل في الطوباوية؟ أم إسلام الزوايا المبني على الغيبيات والهلوسة ؟ أم إسلام السلفية الجهادية وكل الجماعات الإسلامية المسلحة المتعطشة للدماء، أم إسلام الحركات الإسلامية السنية منها والشيعية العاملة في السر والعلن، أم إسلام بنكيران الذي لا يقبل الأمازيغي إلا كعبد مطيع ولا يؤمن بالتعدد إلا في الزوجات أما في اللغات و الأديان والقوميات فذلك رجس من عمل الشيطان ..
لن يتمكن بنكيران من توحيد هذه الحركات وغيرها لتتفق على نسخة واحدة قريبة من النسخة التي نزلت على من " بعث رحمة العالمين ".. لن يتمكن بنكيران من ذلك لأن معظم هذه النسخ زرعت بدورها منذ الفتنة الكبرى وما قبلها بكثير وليست وليدة اليوم وهكذا سيبقى الإسلام عند البعض ومنهم بنكيران الوسيلة المثلى لضمان النجاح في الإنتخابات ومورداً للرزق ، وليس وسيلة للتكفير عن ذنوبهم التي لا تنتهي بنهاية الحملة الإنتخابية . .
ما دفع بنكيران إلى الهجوم الوحشي على الأمازيغية هو النكسة التي مني بها مناوئو التسامح والتعدد في معركة " الدستور " التي صد فيها نشطاء الحركة الثقافية الأمازيغية هجوما شرسا لكتائب حراس المعبد القديم . لقد كانت معركة استعملت فيها الكتائب أسلحة اعلامية متطورة لكنها انهزمت أمام أسلحة حديثة الصنع من عيار الحداثة والتقديمية والديموقراطية مما شل حركة هذه الكتائب واضطر الإيديلوجية القومية العربية والوهابية المتطرفة إلى التراجع مما عمق جراحها التي أصيبت بها إبان الثورتين التونسية والمصرية حين لم يرقها وضع المسيحي والمسلم يداً في يد، وضاق ذرعها في سوريا حين سمعت الشعب ينادي بصوت واحد "أزادي" وهي الحرية باللغة الكردية التي غيبتها الإيديولوجيتان منذ عقود، وفي العراق حيث أضحت تكتب الكردية بجانب العربية في ظل حكم ذاتي شبيه بالإستقلال حيث لا يسمعون زيداً و لا عمراً ..
ومن بين الأسلحة العربية التي استعملتها الكتائب وقائدها بنكيران السب والشتم .. وقد قال في الأمازيغية ما لم يقله مالك في الخمر ومالم يقله شارون في العربية .. فعندما يتعدى عبدالإله بنكيران حدود اللياقة وجب زجره.
ونظرا لكون بنكيران ليس أكثر عروبة من القذافي فسرعان ما نضب معينه من الإهانات وعبارات التحقير ولسان حاله يردد مع القذافي خاصة و كلاهما يعانيان من عقدة الأمازيغ في بلديهما " من هم البربر ( العرب القدامى) .. سنزحف عليهم و معي الملايين ( مرتزقة القومية و الوهابية ) وسنطهر شمال أفريقيا شبر ( لن نترك اسما أمازيغيا يطلق على أي مكان).. زنقة زنقة ( و لا زنقة تحمل اسما أمازيغيا و لا حرف تيفيناغ) فرد فرد (سنعرب الجميع).. ما تخافوش منهم .. الجردان.. أبناء بربرة الماعز.. يسكنون الكهوف والمغاور (لحد الآن بسبب التهميش) و يلبسون جلود الماعز (بسبب التفقير) ويأكلون الكسكس(هكذا يوصفون في التاريخ الرسمي).. القردة الخاسؤون، ليسوا في مستوى لغة دستورية.. نحن العرب وحدنا تستحق أن تكون لغتنا رسمية لأنها مقدسة ونحن رمز الشرف والنقاء ..
ولمن سيقول بأن بنكيران وغيره لن تسمح له مرجعيته بقول الجملة الآخيرة نقتبس من كتاب أحمد عصيد " الأمازيغية في خطاب الإسلام السياسي "ما يثبت أن العرب في استعداد دائم للتضحية بالإسلام في سبيلة خدمة العروبة .. حكاية أوردها ابن القوطبة عن الحميل بن حاتم زعيم القبائل العربية القيسية في الأندلس، وفيها وصف له بأنه " كان مستخفا بالدين يشرب الخمر، لكنه كان شديد الإعتزاز بعروبته ، وقد استمع ذات يوم إلى معلم يقرأ على الصبية قوله تعالى " وتلك الأيام نداولها بين الناس" فوقف الصميل ونادى المعلم وقال له:" وتلك الأيام نداولها بين العرب " ولما أجابه المعلم بأن الآية هكذا نزلت، قال: " فأرى والله أن سيشركنا في هذا الأمر العبيد والأراذل والسفلة "..
الأبرياء الذين يلقي عليهم بنكيران خطابه سقطوا فريسة لخطاب الكراهية العنصرية التي انطلق قطارها منذ أن فرض الأموي عبد الملك بن مروان اللغة العربية كلغة للدواوين لأول مرة سنة 700 م .. قطار لا يتوقف إلا لينطلق من جديد.. قطار التعريب والتخريب هذا يقوده سائقون متمرسون في كل الأجواء السياسية الصحوة منها و العاصفة .. يتحركون بدافع من إيد يولوجية دينية وقومية متعصبة تنكر على الآخر حق الوجود إلا إن كان ذاك الآخر خصما قويا في مستوى جنكيزخان الماغول وهولاكو، والآتراك و الفرس وأكراد شمال العراق، ومسيحي جنوب السودان .. أما الأمازيغ على طول شمال افريقيا فإن نار العربة و الوهابية ما زالت تنالهم بلظاها الحارق ..
ما لم يدركه بنكيران والاستقلالي محمد الخليفة بعد أن رمي الغسيل على الآخرين لا يجدي شيئا .. فمشكلة العربية في المغرب وعموم شمال افريقيا تكمن في كون أهلها غير مستعدين بعد للإقرار بصعوبة نمو أي لغة آخرى في أرض لم تعرف غير الأمازيغية منذ 33 قرنا لأنه حتى وإن افترضنا جدلا بأن الشعب قد تعرب بقدرة قادر فإن الآرض ستظل أمازيغية ولا يمكن لأي أحد مهما بلغ من القوة أن يأخذها ويستبدلها بأرض أخرى .. وما يتفادى بنكيران التطرق إليه أن الجميع تقريبا أدرك أنه لا يوجد في الدنيا عدو أكثر خطورة على الإسلام من بنكيران نفسه وحزبه وليس هناك من خطر على الوحدة الوطنية وعلى العربية أكبر من محمد الخليفة وحزب الإستقلال.. وما يتعمد هؤلاء وحزباهما تجاهله هو أن الأمازيغية في شمال افريقيا ليست هي المشكلة.. الأمازيغية هي الحل .. لأن خطابها لا يقصي أحدا .. وقد آن الآوان لقيد القومية العربية المقيتة والوهابية التكفيرية أن ينكسر لأن الشعب اليوم أراد الحياة.