لم يعد المغرب فقط أرضا لاستقبال المهاجرين العابرين نحو وجهات مختلفة، ولكن أصبح أرضا للاستقرار، حيث اختار كثير من هؤلاء المكوث بالمغرب والبحث عن ظروف أخرى للعمل والعيش وبناء أسرة، وبعد النجاح الذي حققته المرحلة الأولى من تسوية وضعية المهاجرين التي تمت خلال سنة 2014، أعطى جلالة الملك تعليماته من أجل إطلاق المرحلة الثانية لإدماج الأشخاص في وضعية غير قانونية، كما كان مقررا، في نهاية سنة 2016. ويعد المغرب من بين أول دول الجنوب التي اعتمدت سياسة تضامنية حقيقية لاستقبال المهاجرين، من جنوب الصحراء، وفق مقاربة إنسانية مندمجة تصون حقوقهم وتحفظ كرامتهم، وخلال جولة جلالة الملك بالعديد من الدول الإفريقية حرص العديد من رؤساء الدول على تهنئة جلالة الملك والمملكة المغربية على سياستها في مجال الهجرة، والتي تهدف إلى الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للأشخاص في وضعية غير قانونية المنحدرين أساسا من بلدان افريقيا جنوب الصحراء.
سياسة المغرب من أجل إدماج المهاجرين، والتي شملت في المرحلة الأولى 25 ألف شخص من مختلف القارات وليس من إفريقيا وحدها، ترتكز على البعد الإنساني الذي انخرط فيه المغرب باعتباره أرض ضيافة منذ التاريخ البعيد، وهذه التعددية الثقافية والإثنية شاهدة على موجات الهجرة القادمة من مختلف الاتجاهات نحو المغرب، لكنها مع جلالة الملك محمد السادس اتخذت منحى آخر ينسجم مع القانون الإنساني الدولي.
الرؤية الإنسانية للأبعاد القانونية هي رؤية متكاملة وشاملة، تشمل التدخلات الإنسانية مثلما يحدث في دعم اللاجئين السوريين بمخيم الزعتري حيث يشتغل منذ ثلاث سنوات مستشفى عسكري مغربي بكامل تجهيزاته وأطره الطبية المحترفة، وهو مستشفى يقدم خدماته مجانا، ويندرج في إطار الأبعاد الإنسانية التي يؤمن بها المغرب ويلتزم بها، كدولة تراعي الظروف الإنسانية للبشر، الذين لا يمكن أن يغادروا أوطانهم دون أن تكون هناك دوافع اجتماعية واقتصادية وسياسية وراء ذلك.
ومن المؤسف أنه في الوقت الذي يرعى المغرب سياسة إدماج تراعي الشرط الإنساني للمهاجر غير القانوني، يتعرض آلاف المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء لمعاملة حاطة بالكرامة الإنسانية في الجارة الجزائر، حيث يتم تكديسهم في مخيمات تنعدم فيها الظروف الأدنى للحياة العادية بلها أن تكون كريمة، وذلك في انتظار طردهم من البلاد.
وتقوم الجزائر بمطاردة المهاجرين وإخراجهم من بيوتهم وترحيلهم نحو الجنوب في ظروف قاسية، تحت ذرائع مختلف، حيث خرج فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لحماية وتشجيع حقوق الإنسان باتهام هؤلاء المهاجرين بنشر السيدا والأمراض المنقولة جنسيا. وكانت العديد من المنظمات الدولية الحقوقية قد أدانت ترحيل المهاجرين في ظروف لا إنسانية ناهيك عن عدم وجود شروط عودتهم إلى بلدانهم خصوصا بعض الدول التي تعرف صراعات عرقية وسياسية.
وبالنظر لما سبق يبقى المغرب البلد الوحيد في القارة السمراء الذي وضع سياسة واضحة لاستقبال المهاجرين، ووضع قوانين لمنح الإقامة لمن توفرت فيه الشروط، وفي هذا السياق تأتي المرحلة الثانية التي لا تختلف من حيث المعايير عن المرحلة الأولى.