انتقل مساء هذا اليوم الى دار البقاء الفنان العظيم الطيب الصديقي أسد المسرح المغربي وأحد أقطابه ومؤسسيه، بعد معاناة طويلة مع المرض، أسلم الطيب الروح إلى بارئها بأحدى مصحات الدارالبيضاء، وبرحيل الصديقي يكون المسرح المغربي، قد فقد واحدا من أهراماته، تاركا خزانته مليئة بإلابداعات التشكيلية والتأليفية والمسرحية. وكان المغاربة قد اكتشفوا قبل سنتين، عبر شبكات التواصل الإجتماعي، صورا مؤلمة لأسد المسرح المغربي الطيب الصديقي، الذي يرجع له الفضل في اكتشاف اغلب المواهب المسرحية المغربية.
وأظهرت تلك الصور، كيف يعيش الطيب الصديقي أسد المسرح المغربي، وعنوان مرحلة بأكملها من حياة مسرح المغرب، في حالة صحية صعبة، يحتاج إلى دعوات المواطنين وإلى اهتمام إضافي أكبر.
وتم انتشار تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن وضعتها المخرجة نعيمة زيطان أثناء زيارتها له في منزله رفقة ثريا جبران، ويظهر فيها الصديقي في حالة تكشف ما فعله الزمن في جسده الذي أصيب بالوهن والضعف.
ولد الطيب الصديقي سنة 1937 بالصويرة ، وتابع بها دراسته الابتدائية ، ثم رحل إلى الدارالبيضاء لمتابعة دراسته الثانوية، وبعد حصوله على شهادة الباكالوريا، شارك بالصدفة في تدريب مسرحي بالمعمورة، سنة 1954 نظمته وزارة الشبيبة والرياضة تحت إشراف الفرنسيان " اندري فوازان " و" شارل نوك " ، حيث انضم إلى " فرقة التمثيل المغربي " التي ضمت خيرة الذين شاركوا في تلك التداريب.
وقد شارك ضمنها في مهرجان باريس لمسرح الأمم عام 1956 بمسرحية " عمايل جحا " المقتبسة عن " حيل ساكابان " لموليير ، ولفتت مشاركته أنظار المهتمين ، وبفضل هذا الاهتمام أتيحت له فرصة المشاركة في تدريب بالمركز المسرحي لغرب فرنسا تحت إشراف " هوبير جينيو " Hubert Gignoux ، حيث عمل كمساعد للمكلف بالمحافظة العامة بالمسرح الوطني الشعبي لجان فيلار من فاتح فبراير إلى 31 مارس 1957 .
وقد واكب الطيب الصديقي الحركة المسرحية الحديثة بالمغرب، منذ انطلاقتها بعد الاستقلال ، وعايشها عن قرب عبر كل تحولاتها وازدهارها وانتكاساتها ، وساهم بقسط كبير في التعريف بالمسرح المغربي سواء في أوربا أو في العالم العربي ، ولا يزال يواصل عطاءاته بنفس الحماس الذي بدأ به منذ سنة 1954 .
ومن خلال ريبرتواره، يمكن اعتبار الطيب الصديقي صانع الفرجة بامتياز بعد أن تمكن من امتلاك أدوات صناعة الإخراج ، من خلال تعلم أسرار المهنة على يد أستاذه " جون فيلار " في المسرح الوطني الشعبي الفرنسي ، وهكذا وظفت الحلقة والحكواتي وسلطان الطلبة وفن البساط وكل الأشكال الفنية الشعبية لصناعة احتفالاته المسرحية سواء باللغة التي يكتب له بها السعيد الصديقي أو عبد السلام الشرايبي ، أو باللغة الفرنسية والتي قدم بها " الشامات السبع " و " خلقنا لنتفاهم"، لأنه يعتمد تقنيات ركحية تنحدر من التراث الفرجوي الشعبي ، كما تعتمد الحكي والسرد والغناء والرقص لتأْسيس جمالية مغربية متفردة على مستوى الإنتاج المسرحي ..
وقد توصل الصديقي إلى إيجاد صيغة درامية تمكن الهوية المغربية عبر تشكلاتها الفرجوية وأبعادها الحضارية دون أن تقطع صلتها مع المسرح الغربي، بحيث في مسرحية " حفل عشاء ساهر " عالج فيه بطريقة اخّادة قصة ردم المسرح البلدي بالبيضاء المسرح الذي أداره لمدة سنوات ، فالمسرح لديه ليس هو النص الأدبي ولكنه المناخ الذي يبدعه الإخراج على أساس من الخطوط الأساسية للنص ، ذلك المناخ الذي يتيح للجماهير أن تحقق التواصل وتحقق لحظة السعادة الجماعية، عبر المسرح الشامل الذي يستعمل كل الوسائل الفنية لإنتاج فرجة شاملة تخول للمسرح استرجاع وحدته من خلال ما يقوم عليه العرض من ثراء ، ويدفع المتلقي إلى أن يكون دوما في حالة انبهار ، وذلك عبر فرجات يتحرر فيها التاريخ من قبضة الزمان والمكان لأنها تخاطب العقل والعين .