دعا ممثلو وزارات خارجية دول اتحاد المغرب العربي، اليوم الخميس بالرباط، إلى وضع استراتيجية أمنية مغاربية لمواجهة التهديدات المحدقة بالمنطقة، وعلى رأسها الإرهاب والجريمة المنظمة، وفق مقاربة شاملة ومندمجة. جاء ذلك خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال الدورة ال33 لمجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي.
وأكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون، السيد صلاح الدين مزوار، في كلة تلاها بالنيابة عنه الكاتب العام للوزارة، السيد ناصر بوريطة، ان تصاعد الهجمات الإرهابية في منطقة المغرب الكبير، يستوجب تعزيز التعاون الأمني المغاربي لمواجهة هذه التهديدات، وذلك من خلال "استكمال بلورة الاستراتيجية الأمنية المغاربية وفق مقاربة شاملة ومندمجة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الأمنية والتنموية والدينية والتربوية". وجدد مزوار الدعوة إلى الإسراع بعقد دورة خاصة بقضايا الأمن لمجلس وزراء العدل والشؤون القانونية لإخراج هذه الاستراتيجية إلى حيز الوجود، وذلك درءا للأخطار التي تهدد الأمن والاستقرار داخل فضاء اتحاد المغرب العربي.
كما دعا إلى مزيد من التنسيق المغاربي لصد المخاطر الأمنية التي تهدد دول الاتحاد المغاربي نتيجة تصاعد نشاط الحركات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة التي تعمل في مجالات تهريب الأسلحة والمخدرات والمؤثرات العقلية والهجرة السرية، مستغلة في ذلك حالة عدم الاستقرار لفضاء الساحل والصحراء.
وبحسب مزوار، فإن هذه التحديات تفرض أيضا التنسيق الامني مع الدول الإفريقية المتاخمة لفضاء الساحل والصحراء في إطار الاستراتيجيات الدولية والإقليمية في مجالي الأمن والتنمية، بما يمكن الاتحاد من المساهمة في الجهود الرامية إلى المحافظة على السلم والأمن بالمنطقة.
ولم يفت الوزير أن يذكر بإيمان المغرب العميق بحتمية المصير المشترك للدول المغاربية وتشبثه ببناء الاتحاد المغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا، وهو الإيمان الذي عبر عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، في مناسبات عدة.
وفي سياق متصل، دعا وزير الشؤون الخارجية والتعاون إلى توفير المناسب لإنجاز المشاريع الواردة في الاستراتيجية المغاربية للتنمية المشتركة الشاملة، ولاسيما منها اتفاقية التبادل الحر المغاربية التي تم التأشير عليها بالأحرف الأولى سنة 2010.
كما دعا إلى إخراج المصرف المغاربي للتجارة والاستثمار إلى حيز الوجود، ورفع العوائق التي تحول دول حرية تنقل الاشخاص والأموال بما يفتح آفاقا واعدة للتنمية في المنطقة المغاربية.
من جانبه، أكد الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية بالجزائر، عبد القادر مساهل، أن التحديات المتعددة المطروحة على منطقة المغرب العربي اليوم "تقتضي حسا كبيرا من المسؤولية ووعيا كاملا بضرورة التضامن والتكاثف" من أجل استشراف دقيق للعمل المغاربي المشترك بما يمكن من المضي على درب التطور والتقدم.
وأوضح مساهل أن تنامي النشاط الارهابي والجريمة العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية والاتجار الدولي في المخدرات والأسلحة، كلها تحديات تزيد من حجم التهديدات المحدقة بشعوب المنطقة وتهدر فرص نموها.
وبحسب الوزير الجزائري، فإن مختلف هذه التحديات تستدعي تضافر الجهود والتنسيق المشترك بما يعزز أمن دول الاتحاد ويحفظ استقرارها ويضمن تنمية الفضاء المغاربي، مضيفا أن هذه التحديات "تحثنا على الإسراع بوضع استراتيجية أمنية مغاربية وفق مقاربة شاملة ومندمجة".
من جهته، دعا كاتب الدولة التونسي للشؤون العربية والإفريقية، السيد التهامي العبدولي، إلى تعزيز المناعة الاقتصادية والسياسية والأمنية لدول اتحاد المغرب العربي من خلال إرساء آليات تمكن من الانتقال الفعلي من مستوى التعاون إلى مستوى الشراكة بين دول الاتحاد.
وتهم هذه الآليات ، يضيف العبدولي، كلا من الجانب السياسي، والأمني والاقتصادي والأمني والكوارث الطبيعية والنقل الجوي، داعيا في هذا الصدد إلى تأسيس "مجلس حكماء اتحاد المغرب العربي" يكون بمثابة قوة اقتراحية إيجابية لحل جميع المشاكل الكبرى العالقة، وتأسيس "وكالة استخبارات تابعة للاتحاد" تتكفل برصد الأخطار والتحديات الأمنية المحدقة به ومواجهتها.
كما دعا الوزير التونسي، إلى إحداث "وكالة استثمارات اتحاد المغرب العربي"، و"صندوق طوارئ لمواجهة الكوارث الطبيعية"، وتأسيس "وكالة طيران الاتحاد" لرفع التحديات المطروحة في مجال النقل الجوي.
وبدورها، أكدت الوزيرة المنتدبة المكلفة بالشؤون المغاربية والإفريقية والموريتانيين بالخارج، خديجة بنت مبارك فال، أن الاستحقاقات المطروحة على الاتحاد المغاربي، بعد 26 سنة من تأسيسه، تفرض مزيدا من التنسيق والتعاون بين أعضاء الاتحاد بما يمكن من تحقيق التطلعات المشروعة لشعوبه إلى التنمية الاقتصادية والاندماج الاجتماعي.
وترى بنت امبارك فال، ان الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة العابرة للحدود، والاتجار الدولي في الأسلحة والمخدرات، كلها تحديات تفرض الإسراع بإعطاء انطلاقة جديدة لاتحاد المغرب العربي وتطوير عمله في أفق ضمان استقرار مستدام لدوله، وتحقيق الأهداف التي أحدث لأجلها أول مرة.
من جانبه، ركز وزير الخارجية والتعاون الدولي الليبي، محمد الهادي الدايري، الذي تشرف بلاده على رئاسة الاتحاد حاليا، كلمته على الوضع الأمني بليبيا الذي يشهد "ترديا" بسبب ممارسات التنظيمات الإرهابية المسلحة، معربا عن استنكاره "لصمت المجتمع الدولي عن إرهاب هذه التنظيمات، بما فيها تنظيم (داعش) الذي أعلن مسؤوليته عن العديد من العمليات".
من جهة أخرى، نوه الهادي الدايري، باحتضان المملكة المغربية لجولات الحوار الليبي، مؤكدا تمسك ممثلي الشرعية بالبلاد بالحوار بهدف التوصل إلى حل للأزمة عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية.
من جهته، أكد الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الحبيب بن يحي، أن المنطقة المغاربية تمر اليوم بظروف دقيقة تتسم بتنامي التهديدات الأمنية العابرة للحدود بما فيها الإرهاب والجريمة المنظمة، معتبرا أنه "لا مناص من إيجاد إجابات جماعية" لهذه التحديات، وتكثيف التعاون والتنسيق بما يحقق تطلعات شعوب الاتحاد إلى فضاء مغاربي ينعم بالاستقرار والتنمية والازدهار.
وأعرب بن يحي، من جهة أخرى، عن ارتياحه لانعقاد عدد من الاجتماعات الوزارية للاتحاد ما بين الدورة السابقة والحالية لمجلس وزراء الخارجية، مشيرا في هذا الصدد إلى انعقاد اجتماع كل من اللجنة الوزارية المكلفة بالموارد البشرية، والمجلسين الوزاريين المغاربيين الخاصيين بالتجارة والنقل، وكذا مجلس وزراء داخلية الاتحاد.
ويتضمن برنامج الدورة ال33 لمجلس وزراء خارجية دول اتحاد المغرب العربي، ملفات تتعلق أساسا بالتشاور السياسي بشأن عدد من القضايا العربية والجهوية والدولية، وتعزيز التعاون الأمني المغاربي، وبحث الوضع في الساحل والصحراء، والهجرة غير لشرعية وكذا التعاون بين اتحاد المغرب العربي والتجمعات الإقليمية والمنظمات الدولية.
كما يتضمن برنامج الدورة بحث العمل الاندماجي المغاربي، ودارسة مشروع جدولة الاجتماعات المغاربية لسنة 2015، وتفعيل القرارات الاتحادية المتعلقة بكل من المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية، ومجلس الشورى، والهيئة القضائية، والأكاديمية المغاربية للعلوم، والجامعة المغاربية.
وسيتدارس وزراء خارجية الاتحاد المغاربي خلال هذه الدورة أيضا، وضعية الاتفاقيات المغاربية، والتعاون مع المنظمات والتجمعات الاقتصادية الجهوية، وتقريرا حول مشروع هبة البنك الإفريقي للتنمية (2015 -2017).
وكانت لجنة المتابعة لاتحاد المغرب العربي قد عقدت يوم أمس الأربعاء اجتماع دورتها الخمسين، الذي أكد خلاله المسؤولون المغاربيون على الحاجة الملحة لتوحيد الجهود وحشد الطاقات من أجل تصحيح مسار الاتحاد وتجاوز العوائق التي تعترض عمله وفق مقاربة شاملة وواقعية.