أصحبت فرنسا تفاجئنا هذه الأيام بقرارات غريبة وعجيبة تصلح فقط لسيناريو أفلام الكارتون، المعروفة بخرقها للمنطق والعقل والسباحة في الخيال الواسع والأسطورة.. وعلى ذكر أفلام الكارتون أي الرسوم المتحركة، قرأنا اليوم خبرا طريفا مفاده أن الشرطة الفرنسية اعتقلت طفلا، بتهمة "مدح" الهجوم الإرهابي على مجلة شارلي ايبدو، خلال تواجده في مدرسته، وذلك على خلفية تقديم إدارة المؤسسة شكوى ضد والديه، فتولت الشرطة على إثرها اصطحاب الطفل إلى مركز الشرطة والتحقيق معه لمدة ساعتين بحضور والديه...
هذا الحادث، الطريف والغريب في ذات الوقت، اثأر استغراب العديد من المتتبعين وأعربت أسرة الطفل عن انزعاجها الشديد لإجراء إدارة المدرسة والشرطة، مشيرةً إلى أن "طفلهم صغير السن، ولا يعي ما يقوله، وأنه لم يتمكن من تعريف كلمة الإرهاب خلال التحقيق"..
إلا أن الحادث لم يثر ردود فعل المنظمات الحقوقية التي تستغل كل صغيرة وكبيرة لانتقاد ما يقع خارج فرنسا، كما أن هذا الإجراء المنافي لأبسط حقوق الطفل، يطرح عدة أسئلة حول سياسة فرنساالجديدة في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك بعد الهجومات الإرهابية على مقر مجلة شارلي ايبدو، وما تبعها من إحداث إجرامية بالعاصمة ونواحيها وباقي المناطق الفرنسية..
ويخشى أن تتحول البلاد التي كانت يوما مشتلا للمدافعين عن للحريات وحصنا للعدالة وباقي القيم الإنسانية لعصر الأنوار ، إلى فرنسستان يتم فيها وأد حقوق الإنسان ولجم أفواه المواطنين ولو كانوا أطفالا وذلك تحت ذريعة محاربة الإرهاب..
ويتساءل المتتبعون، هل باعتقال الأطفال واستنطاقهم واتخاذ إجراءات "سوريالية" كما وقع مع الطفل ذي ال8 سنوات، ستتمكن فرنسا من محاربة الإرهاب الذي درب بعنف في عقر دارها وأصبح يؤرق مضجعها؟
إن ما اقدمت عليه السلطات الفرنسية لا يشرف بلدا شعاره "حرية، عدالة، إخاء"، لان هذا الإجراء يمس في الصميم حقوق الطفولة البريئة، ويهدد مستقبلا بتفريخ جيل من المواطنين مهزوزي الشخصية، بسبب الخوف والإرهاب الذي تمارسه السلطات عليهم في صغرهم من خلال قمعهم ومنعهم من ابداء آرائهم ولو كانت غير سوية لان الطفل لا يعرف ولا يعي ما يقوله...
كما أن فرنسا، عوض أن توجه فوهة غضبها على الأطفال الأبرياء، حري بها ان تراجع علاقاتها الخارجية مع دول لها باع طويل في مجال المحاربة المتكاملة للتطرف كما هو الشأن بالنسبة للمغرب، الذي لايزال الفرنسيون، وخاصة في ظل حكومة "الاشتراكيين"، لم يهضموا بعد ولم يستسيغوا الدور المحوري والهام الذي يقوم به في هذا المجال في منطقة شمال افريقيا والبحر الابيض المتوسط، وذلك بشهادة المجموعة الاوربية وعلى رأسها اسبانيا التي استفادت كثيرا من التعاون المغربي الامني..
إن ما أقدمت عليه السلطات الفرنسية يسائل المفوضية الأوربية لحقوق الإنسان ومعها كافة المنظمات التي تهتم بحقوق الإنسان والأطفال على الخصوص، لان استنطاق طفل ومؤاخذته على جريمة لمجرد انه فاه بكلام لايعي مضمونه، هي جريمة في حقه وفي حق أسرته كما أنها جريمة في حق فرنسا الأنوار التي لازال بعض المسؤولين لم يفهموا الأسباب الكامنة وراء الارهاب لمعرفة الأساليب القمينة بمحاربته...