مجزرة حقيقية تم ارتكابها في فرنسا. قتلى وجرحى من الصحفيين ورجال الأمن في هجوم بأسلحة أوتوماتيكية على مقر الجريدة الساخرة "شارلي إيبدو". فرنسا وجدت نفسها مندهشة من عمل إرهابي غير متوقع. خرج الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ليقول إن "صحفيين ورجال أمن ذهبوا ضحية عمل جبان". ووجد نفسه مضطرا لمخاطبة الشعب الفرنسي ليشرح الخطر الداهم بفرنسا. العملية الإرهابية التقطتها الكاميرات وأظهرت شخصان يقتلان بدم بارد، وكانا يرددان عبارة "الله أكبر". وتبين من لكنتهم أنهم من أصول جزائرية.
سيخاطب هولاند الفرنسيين، وسيستعمل البلاغة الفرنسية، منذ موليير إلى الآن لإقناعهم بأن العمل يستهدف فرنسا الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهلم جرا من مصطلحات رنانة علّه يسترجع شعبيته الضائعة وسط إجراءات تافهة تتخذها الحكومة الفرنسية، لكن هولاند لن يطرح الأسئلة الحقيقية.
لن يتحدث هولاند عن الثغرات الأمنية الكبيرة التي تعيشها فرنسا. لن يتحدث عن عزلة فرنسا على مستوى تبادل المعلومات الأمنية بين الدول وهو الأساس اليوم في مكافحة الإرهاب.
إن العمل الإرهابي لم يعد محصورا في الحدود الجغرافية الضيقة، ولكنه أصبح دوليا، ومن أخطر الأمميات اليوم هي الأممية الجهادية، التي أصبحت عابرة للحدود وعابرة للأفكار، ولم تعد في حاجة إلى تنسيقات محلية بل تستعمل التقنيات المتطورة للتواصل والتدريب على السلاح والقتل.
على الفرنسيين أن يفهموا أن الإرهاب محيط بكل العالم، لكن الدول كلها لا تكتفي باتخاذ الإجراءات فقط ولكن بالتعاون العالمي في هذا المجال لأن الإرهابيين طوروا من وسائل التخفي ووسائل الاختراق كما هي وسائل الانتقال من مكان لمكان آخر.
ففرنسا اليوم في عزلة أمنية خطيرة، وبدل أن تهتم بسد الثغرات التي تعاني منها في مجال حماية أمن مواطنيها فهي مهتمة بالتفاهات التي جنت عليها. ففرنسا اليوم لا تتوفر على خيط رابط مع المغرب الذي يعتبر رائدا في محاربة الإرهاب.
فرنسا تنسى نفسها كثيرا ولا تنظر لجيرانها. فإسبانيا تعتمد كثيرا على المعلومة الأمنية التي توفرها الأجهزة الأمنية المغربية في إطار التعاون المتكافئ. وتنسى فرنسا أن المعلومات التي وفرها المغرب لهولندا جنبتها عملا إرهابيا خطيرا.
لكن فرنسا وبحكم الحماقات التي تعاني منها، وبحكم تتفيه مقام رئاسة الجمهورية، وتركيزها على المشاحنات المجانية مع المغرب، نسيت أن هذا الأخير يعتبر اليوم حصنا كبيرا لبلدان البحر الأبيض المتوسط بل إن التجربة المغربية محط إعجاب من العالم كله.
تركت فرنسا العمل الجدي والتعاون المثمر مع المغرب وركزت على عناصر تافهة أرادت من خلالها ابتزاز المغرب، لكن العالم اليوم تغير وفرنسا ما زالت تعيش كبرياءها الاستعماري المرفوض دوليا، وقد ضيعت على نفسها معلومات مهمة بتفاهاتها التي أدت إلى تعليق التعاون القضائي، الذي هو المدخل الحقيقي للتعاون الأمني.
على فرنسا ألا تعلن الحداد على مجزرة "شارلي إيبدو" ولكن عليها أن تراجع نفسها وتعترف بأن الحادث ناتج عن عزلتها الأمنية.
وها نحن الآن أمام تصريح مهم يدخل في باب وشهد شاهد من أهلها، ويتعلق الأمر، بشارل باسكوا، وزير الداخلية الفرنسي السابق، الذي ربط بين العملية الإرهابية، التي استهدفت جريدة "شارلي إيبدو" الساخرة وتدهور العلاقات المغربية الفرنسية، وذلك بعد العمل المتهور الذي أقدمت عليه السلطات الفرنسية بمحاولة استدعاء مسؤول أمني كبير عن طريق القوة العمومية مما دفع المغرب إلى تعليق اتفاقيات التعاون القضائي بين البلدين الذي ينتج عنه أوتوماتيكيا تعليق التعاون الأمني، مما حرم فرنسا من معلومات مهمة كان بالإمكان أن يوفرها هذا التعاون.
وكان شارل باسكوا، وهو خبير في الأمن، واضحا عندما قال إنه على فرنسا أن تقوي تعاونها الأمني مع المغرب الذي أثبت أنه له قدرات هائلة على توفير المعلومات الأمنية.