لأن المغرب ابتلي بكثرة الأدعياء فلابد أن نصغي جيدا لما قاله المحامي البلجيكي، فانسو لوركان، الذي يتولى الدفاع عن عبد القادر بلعيرج، المحكوم في إطار قضايا الإرهاب بالمؤبد. قال هذا المحامي إن السلطات المغربية قامت بالتضييق عليه وهو يحاول اللقاء بموكله، داخل سجن تولال ضواحي مكناس، مشيرا إلى أنه يسعى حاليا إلى الاحتجاج دبلوماسيا على المغرب، باللجوء إلى السفير البلجيكي ومراسلة حكومة بلده. وكشف لوركان في ندوة صحفية بالرباط الثلاثاء الماضي أن ملف بلعيرج في بلجيكا يضم حوالي 100 ألف ورقة "تبرؤه من التهم الموجهة إليه"، فيما عاب على السلطات القضائية بالمغرب ما أسماه "اللعب" بقضية بلعيرج، التي تنتظر موعد 20 نونبر القادم للحسم النهائي في تهم الإرهاب والقتل الموجهة إليه منذ 6 سنوات، بعد أن قبلت النيابة الفيدرالية البلجيكية إعادة فتح الملف بداعي عدم التوفر على الأدلة الكافية لإدانته.
زيارة المحامي لموكله قضية ينظمها القانون، وتتم بسلاسة كبيرة ولا إشكال فيها إلا إذا أراد المحامي امتيازات من نوع ما، فالمحامي البلجيكي يعتقد أن بلجيكا ما زالت تحتل زايير ولا يعرف أنها أصبحت اسمها الكونغو الديمقراطية، ويظن ربما بما أنه بلجيكي ينبغي أن يتم معاملته معاملة خاصة، طبعا مرحبا به في المغرب وفيما يخص القانون فهو ينطبق على الجميع ودون استثناء.
تصوروا محاميا يتكلم كثيرا ويزعم ما لا يمكن تصديقه. يدعي أن ملف بلعيرج في بلجيكا يحتوي على 100 ألف وثيقة تبرؤه جميعا. لنصدق جدلا أن 100 ألف وثيقة موجودة حقيقة. لكن كيف تسنى لهذا المحامي أن يطلع عليها جميعا ويعرف أنها دليل براءة موكله؟ كم بقدرته أن يقرأ من ورقة في اليوم؟ وهل هو مكلف فقط بهذا الملف دون غيره؟ وهل لديه فريق عمل كبير ليتولى هذه المهمة؟ من أين يصرف عليه؟
المغاربة لما يكثر عليهم أحد من المزاعم والادعاءات يقولون "نقص فّيخرات تحرقنا". لقد أكثر المحامي المذكور وبالغ. قد يكون الملف ضخما نظرا لتحركات بلعيرج الكثيرة ونظرا لأنشطته المشبوهة. كيف يمكن أن يكون هذا الشخص بريئا وملفه بهذه الضخامة؟
لنفترض مرة أخرى أن هذه الأوراق المائة ألف اطلع عليها المحامي واكتشف من خلالها دليل براءة بلعيرج. قد يكون ما قاله صحيح وهو فرض محال. لكن ما علاقة كل ذلك بالقضاء المغربي؟ فنحن لسنا زايير 1930 ولكن المغرب 2014. وقضاؤنا مستقل. قد يكون بلعيرج بريئا في بلجيكا ولم يرتكب فوق أراضيها أية جريمة تدينه، لكنه متهم تمت إدانته في المغرب نظرا لارتكابه مجموعة من الأفعال الإجرامية.
وبالتالي فإن محاولة خلط الأوراق وادعاء أن 100 ألف ورقة تبرئ بلعيرج مجرد حيلة. فقد يكون القضاء المغربي متوفر فقط على ورقة واحدة لكنها دليل دامغ على إدانة الرجل.