أكد رئيس الحكومة التونسية المهدي جمعة أن تطوير العلاقة الاقتصادية بين المغرب وتونس يفتح آفاقا واعدة للدفع بالمسلسل التنموي في البلدين، ويحفز على مزيد من التقارب بين الشعبين الشقيقين. وقال جمعة، في حوار خاص مع وكالة المغرب العربي للأنباء، إن تونس والمغرب "تجمعهما علاقات تاريخية وسياسية متميزة وقواسم مشتركة على عدة مستويات تطال حتى رؤية الخارج إلى البلدين".
وأبرز رئيس الحكومة التونسية الذي يقوم بزيارة للمملكة أن العلاقات الاقتصادية بين تونس والمغرب "لا ترقى إلى مستوى مثيلاتها على المستوى السياسي".
واعتبر جمعة أن مدخل النهوض بهذه العلاقات يرتكز، بالإضافة للإرادة السياسية المعبر عنها، على إشراك الفاعلين الاقتصاديين في المساهمة في النهوض بالعلاقات الاقتصادية وتوطيدها، مضيفا أن هذه المقاربة " لا تعتمد الرؤية الانتظارية والتعويل على القرار السياسي فقط لتطوير هذه العلاقات ، بل تشدد على حث الشركاء الاقتصاديين على تطويرها من خلال تشبيك المصالح الاقتصادية المشتركة وتعزيز البناء الاقتصادي المشترك ، وهو ما قد يتطلب بعض الوقت ، لكنه " توجه ينهض على مقومات قوية وراسخة".
ومن أجل تجسيد هذا التوجه أكد جمعة أن البلدين عملا في المرحلة الأخيرة على تطوير والرفع من حجم الزيارات واللقاءات بين رجال الأعمال في البلدين وتدعيم التقارب بين رجال الاعمال التونسيين ونظرائهم المغاربة والتفكير في إنشاء شركات مشتركة والتوجه إلى أسواق خارجية لجلب الاستثمارات.
وبعد أن نوه بالمسار التنموي والإصلاحات الجارية في المغرب ، ذكر المسؤول التونسي بزيارة جلالة الملك الى تونس وجولاته خلال مقامه فيها وأثرها الإيجابي على صورة بلاده، وهو ما يترجم العلاقة الوطيدة بين البلدين التي تجاوزت "علاقة الصداقة" لترتقي إلى "مواطنة مشتركة".
وبشأن تواصل تعثر قطار المغرب العربي، شدد جمعة على حتمية التعاون والوحدة والتكتل باعتباره السبيل الوحيد لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية العابرة للحدود التي تعرفها المنطقة المغاربية ، والتي تزداد صعوبة وتعقيدا ، مشيرا إلى أن هذا المسار يعرف دينامية ، يحظى فيها تطوير العلاقات الاقتصادية بأهمية مركزية.
وبخصوص الوضع التونسي أوضح رئيس الحكومة أن بلاده بصدد استكمال مرحلتها الانتقالية خصوصا بعد تنظيم الانتخابات التشريعية والمستوى "الطيب" الذي عرفته المشاركة في هذا الاستحقاق ، وتقبل الطبقة السياسية لنتائجه وتأمين تنظيمه على المستوى الأمني واللوجيستي وتحييد الإدارة ، مضيفا أن السلطات تعمل على تأمين الانتخابات الرئاسية، التي من المرجح أن تكون في نفس المستوى الإيجابي للانتخابات التشريعية ، بالنظر إلى وجود تهديدات إرهابية متواصلة تستهدف التجربة والاستقرار في تونس.
وأكد في هذا السياق على تصميم وعزم التونسيين جميعا وأجهزة الدولة من أمن وجيش وطبقة سياسية على أن يجعلوا من هذه الانتخابات الرئاسية "عرسا ثانيا للديمقراطية" ، لتشكل ، بذلك، "إعلانا بانتهاء وطي صفحة الانتقال الديمقراطي الصعب ، وفتح صفحات أخرى في مسار الانتقال الاقتصادي والاجتماعي".
وفي معرض رده على التخوفات التي تم التعبير عنها من قبل بعض الأحزاب والفعاليات السياسية بخصوص احتمال عودة "المنظومة القديمة" للتحكم في المشهد السياسي، أكد جمعة أن تونس " بصدد بناء مؤسساتها الديمقراطية عبر انتخابات حرة ونزيهة، وحده الشعب التونسي من يقرر فيها ، وهو الضامن لحياة سياسية طبيعية "، موضحا أن " النضج السياسي الذي يتحلى به المواطن والناخب التونسي ووجود مجتمع مدني قوي ومؤسسات ، نحن بصدد بنائها، هو صمام الأمان لعدم الانحراف عن الطريق أو تغول أي طرف".
وأضاف ، من جهة ثانية ، أن التركيز يتعين أن ينصب على وضع البرامج الكفيلة بالخروج من هذه " الفترة الصعبة، وبناء اقتصاد قوي من شأنه خلق مناصب شغل وإعادة التوازن الاجتماعي، وهو أكبر ضمان لعدم رجوع أي منظومة استبدادية".
وعلى المستوى الأمني، قال جمعة "نحن يقظون تجاه التهديدات الإرهابية التي أصبحت واقعا مفروضا علينا من الداخل والخارج" ، موضحا أن السلطات التونسية حققت "تقدما كبيرا ووجهت ضربات قاصمة لظهر الإرهاب داخليا". وأشار في هذا الصدد إلى أن الوضع الأمني في ليبيا والشرق الأوسط عموما "يظل مصدر قلق وتهديد للمنطقة" . غير أنه شدد في المقابل على وجود " تنسيق كبير وتبادل للخبرات والمعلومات مع كل الجيران، بما فيهم الأشقاء في المغرب".
وبخصوص الوضع الاقتصادي أقر جمعة بأن الاقتصاد التونسي عانى كثيرا خلال السنين الأخيرة بسبب التقلبات السياسية والأمنية التي عرفتها البلاد، في نفس الوقت الذي أكد فيه أن هذا الاقتصاد " أظهر صلابة بالرغم من هذه التقلبات وتداعيات الوضع الأمني في ليبيا والانكماش الاقتصادي في أوروبا ، وواصل تحقيق النمو ، لكن ليس بالشكل الذي يمكن من إحداث مناصب شغل كافية وحل المشاكل الأخرى" .
وقال في هذا الصدد إن تونس "بصدد طي صفحات هذه المرحلة ، وثمة مؤشرات إيجابية على مستوى جلب الاستثمارات الخارجية" ، مضيفا أنه "على الرغم من أن الاستقرار السياسي والاجتماعي والأمني أمر إيجابي لكنه غير كاف، مما يتطلب معه القيام بالعديد من الإصلاحات التي بدأنا فيها وسنواصلها خلال السنتين القادمتين لتطوير نظامنا الاقتصادي".
وعن احتمال عودته لتحمل المسؤولية في حالة ما إذا تم اللجوء إلى تشكيل "حكومة كفاءات" من بين خيارات أخرى مطروحة على مستوى تشكيل الحكومة المقبلة ، قال جمعة "أنا جئت من أجل إنجاز مهمة ..مهمة واضحة المعالم والتواريخ ..." ، معربا عن أمله في أن يكمل هذه المهمة ويسلم البلاد، وهي في حالة أطيب من تلك التي وجدها عليها ، تتسم باستقرار أمني وإرساء إصلاحات مختلفة ، وتفعيل بنود خارطة الطريق ، المتمثلة في تحييد الإدارة وتوفير الظروف الملائمة لتنظيم الانتخابات .
في هذا السياق أكد أن حكومته عملت ، خلال هذه التجربة، على " حماية الدولة ومؤسساتها وإعادة هيبتها لكن عن طريق احترام القانون"، مؤكدا أن تجارب السنوات الأربع أظهرت أن هناك ثلاثة إكراهات تتمثل في "التهديد الذي يستهدف الأمن خصوصا من جهة الجارة ليبيا، بعد الخطوات الكبيرة التي حققتها المواجهة مع الإرهاب داخليا ، إضافة الى التحديين الاقتصادي والاجتماعي. "فالثورة لم تكن إيديولوجية، لقد كانت من أجل الحرية ، نعم، وقد تقدمنا على هذا الصعيد ، ولكنها ثورة من أجل العدالة الاجتماعية والتوازن الجهوي وتوفير فرص الشغل، مما يتطلب توافقا وطنيا وروح التضحية وقيادة واضحة للبلاد".
وخلص المهدي جمعة إلى أن لكل بلد خصوصياته وتونس " لا تريد أن تكون نموذجا ولا أن تعطي حلولا لأي كان"، غير أن تجربتها بعد الثورة قدمت دليلا على أن التوافق والحوار هو السبيل نحو تجاوز الأزمات التي تهدد النسيج الوطني، أما الإقصاء فلا يفضي إلا إلى الباب المسدود.