لما يتعلق الأمر بالمغرب تصاب منظمة العفو الدولية أمنيستي بالعمى، فهي تغض الطرف عن أنظمة ديكتاتورية لها القدرة على شراء الأصوات، لكن لا تريد الاعتراف بأن المغرب ضمن خمسة دول أصبحت نماذج في العدالة الانتقالية على الصعيد الدولي وذلك بفضل هيئة الإنصاف والمصالحة، التي عملت بمجهود جبار من أجل مصالحة المغاربة مع تاريخهم. فالتقرير الأخير حول التعذيب في المغرب، حسب الحكومة المغربية، تميز بعدم المصداقية وعدم الموضوعية وقام بتبخيس ما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة. فالتقرير الذي أنجزته ورصدت فيه ما ادعت حالات التعذيب بالمغرب تم بشكل جزافي وغير مضبوط، وكان على منظمة العفو الدولية التأكد من المعطيات التي تم الإعلان عنها، وعدم إطلاق الأحكام المتسرعة قبل القيام بالمجهود المطلوب للتحليل الموضوعي والمنصف لكل المنجزات والمكتسبات، خاصة وأن التقرير ذهب إلى حد تبخيس ما قامت به هيئة الإنصاف والمصالحة التي أضحت نموذجا ضمن خمسة نماذج مرجعية على الصعيد الدولي.
وقد بنت المنظمة تقريرها على حالتين تهمان سنتي 2012 و2013 ، وهي الحالات التي رصدتها الجهات المختصة، وخصوصا الهيئات المهتمة بحماية حقوق الإنسان في المغرب، سواء تعلق الأمر بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان أو مؤسسة الوسيط أو المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، وبعد التصدي للموضوع تبين أن هاتين الحالتين مبنيتين على مزاعم فقط حيث لم يثبت ما تم ادعاؤه من تعذيب، بالإضافة إلى أن الحالتين مازالتا معروضتين على القضاء، وأن أية حالة تعذيب مزعومة ستخضع للبحث والتحري الصارم والزجر اللازم في إطار ما يقضي به القانون والقواعد الدستورية التي جاءت لتحمي الحقوق الأساسية للمواطن.
ورغم ذلك ولأن المنظمة مصابة بالعمى فإنها وقعت في التناقض، فهي من جهة تعتبر أن التعذيب ما زال موجودا في المغرب ومن جهة أخرى اختارت المغرب من بين خمس دول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط لإطلاق حملتها الدولية حول محاربة التعذيب، على أساس أن هذه الدول تحمل آمالا قابلة للإنجاز في هذا المجال، وهذا في حد ذاته اعتراف بالإصلاحات والجهود المبذولة من طرف المملكة في مجال مناهضة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما في ذلك التعذيب.
فالمغرب وتبعا لخياره الاستراتيجي الذي لا رجعة فيه في مجال حقوق الإنسان وجهوده المبذولة في النهوض بها والنتائج التي راكمها، وعمله المتواصل في توطيد الحقوق والحريات، لم يكتف بملاءمة قوانينه مع الاتفاقية الدولية الخاصة بالتعذيب، بل صادق على البروتكول الاختياري الملحق بهذه الاتفاقية، وفتح السجون ومخافر الشرطة أمام المقرر الخاص التابع للأمم المتحدة لإجراء الأبحاث الممكنة حول الموضوع.
ومن هذا المنطلق فإن المغرب يرفض التصنيفات المجحفة في حقه، الواردة في التقارير التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، ولاسيما في مجال حرية الصحافة والتقرير حول التعذيب. فالمغرب بقدر ما هو مستعد للاعتراف بالأخطاء التي قد تعتري كل عمل عمومي واتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيحها، بقدر ما يرفض بقوة التصنيفات المجحفة له في التقارير الدولية التي تصدرها بعض المنظمات الدولية، والتي تثير عدة تساؤلات حول المنهجية المتبعة، والمعايير المعتمدة والتناقضات الحاصلة. فمن المستغرب أن هذه التقارير لم تأخذ بعين الاعتبار التطور الملموس الحاصل على أرض الواقع وعلى مستوى التشريعات والمؤسسات.