عطية صالح الأوجلي من مواليد مدينة بنغازي درس بها المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية ثم درس بجامعة طرابلس لفترة وجيزة .وبعد خطاب زوارة سنة1973 ترك الدراسة واشتغل في شركة الخليج. ثم حصل على منحة للذهاب إلى أميركا في شهر يناير عام 1974، بقي هناك 15 سنة حيث حصل فيها على بكالوريوس وماجستير في علم الاجتماع وماجستير في إدارة الأعمال ونظم المعلومات واشتغل لفترة كمحلل نظم وأيضاً عمل كمترجم...
وفي سنة 1988 قرر العودة إلى ليبيا واشتغل في مشروع مستشفى بنغازي الطبي. انتقل بعدها للعمل في طرابلس بمصرف الليبي القطري كمستشار ثم رجع إلى بنغازي يوم 17 فبراير منخرطا بقناعة في ثورة ليبيا. كلف بعدها بدائرة الثقافة والمجتمع المدني بالمكتب التنفيذي بالمجلس الوطني الانتقالي أي وزارة الثقافة الليبية.
يعتبر الدكتور عطية الأوجلي من الوجوه الثقافية الآتية من الشرق، بنغازي تحديدا، إلا أن سفركم إلى أمريكا وحصولكم على شهادة عليا في علم الاجتماع يطرح أمامكم تلك العلاقة الثقافية الكونية. هل ستجد هذه الكونية ممرا لها في مشروعكم الثقافي وأنتم تديرون وزارة تهتم بالثقافة في وطن يشهد تغييرا كبيرا بعد ثورة 17 فبراير؟ نحن كما تعلمين نعيش عصر تعدد الهويات و تقلص الحدود والمسافات في عالم لم يعد يجدي فيه التقوقع أو الانكفاء أو اجترار الماضي. لم نعد مواطنين في مجتمعاتنا المحلية فحسب و إنما نحن أيضا مواطنون في مجتمع دولي نتأثر به و نؤثر فيه. لا بد لنا من التعرف على ثقافات الشعوب الأخرى.علينا أن ننطلق بعقل مفتوح و بثقة في الذات نحو التفاعل الايجابي مع هذه الثقافات. ثمة حاجة إلى وعي مستنير يتأسس على إدراك موضوعي لمقومات هويتنا، دون عوز للثقة في النفس يشكك في القدرة على المشاركة في المشهد الثقافي العالمي، ولا إسراف فيها يسلم إلى أقبية العزلة والانغلاق. لقد صارت قوة الثقافات في انفتاحها و امتداداتها. نحن نأمل لتأسيس خطاب ثقافي جديد يرسخ قيم الحوار و الانفتاح والاعتدال ويسعى لفهم القوانين الحاكمة للعولمة الثقافية من اجل التفاعل الخلاق معها.
المثقفون في ليبيا بمختلف مشاريعهم الفكرية، ظلوا حاضرين بقوة في نصوص أدبية هامة كالقصة والمسرح والشعر والرواية، ورغم ذلك التعتيم الذي مورس على مثقفين من شرق ليبيا وجنوبها وغربها، فإن إلحاحهم على الحضور بنصوص مميزة لفت الكثير من الانتباه لدى الرأي العام الدولي، ما هي إستراتيجيتكم الجديدة للنهوض بأوضاع المثقفين في ليبيا وخلق إشعاع لهم على المستوى الخارجي؟
نعم لقد كان الإبداع الفردي الليبي مميزا رغم المناخ الثقافي الفاسد الذي كان سائدا أبان حكم القذافي. و يمكننا القول أن المشهد الثقافي الليبي قد مر مراحل عدة. فحقبة الستينيات وبداية السبعينيات شهدت ازدهارا مضطردا ساهمت في تشكيله النهضة التي عاشتها البلاد و التي كان من ملامحها الانتعاش الاقتصادي و انتشار التعليم، الانفتاح على العالم، انتشار وسائل الإعلام الحديثة، ازدهار الحياة المدنية و التحضر بشكل عام. ففي بنغازي وحدها كانت تصدر عدة صحف مثل الرقيب والشعلة والحقيقة والزمان وبرقة الجديدة و العمل ومجلات مثل قورينا وجيل ورسالة بالإضافة إلى الصحف التي كانت تصدر في طرابلس مثل الحرية والشعب والبلاغ.. ومجلات ثقافية ذات قيمة عالية مثل الرواد. كانت هناك حركة مسرحية نشطة تعرض العديد من المسرحيات العالمية والعربية رغم قلة إمكانياتها، كما شاهدت تلك الحقبة انطلاقات الفن التشكيلي و الرسوم الساخرة والموسيقى والغناء و شهدت تجدد الحركة الشعرية على أيدي مبدعين مثل الرقيعي والشلطامي والفزاني وغيرهم. أما القصة فشهدت هي الأخرى تغيرات نوعية أبرزها إسهامات التكبالي و المقهور والشريف. في مثل هذا المناخ الثقافي يستطيع المرء أن يتفهم وبيسر وجود العدد الهائل والمميز من الكتاب والمؤلفين الليبيين... مثل الصادق النيهوم، على مصطفى المصراتي، خليفة التليسي، رشاد الهوني، خليفة الفاخري، القويري، أوريث، يوسف الشريف، وغيرهم…. مما زخرت بهم ساحتنا الثقافية. مدننا آنذاك كانت عامرة بالمكتبات العامة والمدرسية و بالمراكز الثقافية العربية والأجنبية. ففي بنغازي على سبيل المثال، كان هناك المركز الثقافي البريطاني والمركز الثقافي الأمريكي والمركز الثقافي المصري. وقد لعب المركز الثقافي المصري دورا مهما جدا بالأخص في مجال التعبئة السياسية لليبيا. كما شهدت نفس الحقبة انطلاقة الفنون الشعبية و زخم الأدب الشعبي. باختصار كان الوطن يعيش مرحلة نمو على جميع الأصعدة. ومراحل النمو عادة ما تصاحبها الأحلام والأوهام والصراعات وتختلط الآمال فيها بقدر لا بأس به من القلق والتوتر.
هذا المشهد بدأ يشهد تغيرات تدريجية منذ استيلاء الضباط الشباب على السلطة في سبتمبر 69. فالتجربة الناصرية كانت حاضرة بتفاصيلها في أذهانهم. لذا كان لا بد من تأميم الصحافة و السيطرة التدريجية على الحياة الثقافية بليبيا. لكن القيود ازدادت صرامة و حدة مع خطاب أزوارة عام 1973 حيث تم تسييس الثقافة بالكامل و توظيفها لخدمة النظام. وأستمر هذا الانحدار يكتسب قوة حتى وصلنا إلى المشهد المأساوي الذي ساد قبيل انطلاق ثورة 17 فبراير. و كما تكرمت بالذكر في سؤالك فإن الإبداع الفردي، رغم القيود، لم يغب مطلقا.... فالإنسان، كما تعلمين، بإمكانه دائما أن يجد حلولا إبداعية لمواجهة قيود الرقابة و توجسات الأنظمة. و نحن الآن في وزارة الثقافة نسعى لإشراك المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي في المساهمة في خلق رؤية وطنية توافقية تعبر مفرداتها عن تطلعات المجتمع و يتم تشكيلها عبر الحوار الحر الشامل. ملامح الرؤية بدأت الآن من خلال النقاشات و الدراسات والمقترحات. بشكل عام أتوقع في المرحلة القادمة أن تعمل الدولة على خلق مناخ ثقافي ديمقراطي إبداعي و على تشييد البنية التحتية للثقافة وأن لا تشغل بالها بالإنتاج الثقافي الذي يجب أن يُترك للمثقفين والمبدعين. المطلوب منا جميعاً السعي لتكريس ثقافة ديمقراطية حقيقية تتجذر في نفوس الأفراد وتنعكس في سلوكياتهم بشكل طوعي وهي مسألة تحتاج إلى الكثير من التخطيط والفعل... والمثابرة والصبر. في مثل هذا المناخ سيجد المثقف الحرية والدعم و سيتمكن من تأكيد قدراته الإبداعية و من التواجد على الساحات الإبداعية العالمية.
العمل التنموي الثقافي هو جزء لا يتجزأ من تنمية في جميع المجالات كيف ستعملون على النهوض بالتنمية الثقافية موازاة مع مجالات تنموية أخرى؟ رغم قصر المدة إلا أننا تمكنا من خلق حالة حوار حول متطلبات التنمية الثقافية و حول الخيارات المتاحة وأستطيع القول الآن بأنه لدينا مشاريع طموحة في هذا المجال تهدف إلى إنتاج خطاب ثقافي منفتح ومتنوع يواكب العصر يصوغه أبناء الوطن باحترافية و حرية و مسؤولية. كيف سنصل إلى هذا الهدف ؟ عبر سلسلة من الخطط الإستراتجية التي تنطلق من رؤية وطنية ديمقراطية وتسعى لتطوير و استحداث بنى تحتية ثقافية مثل المراكز الثقافية و المكتبات العامة و المجمعات الثقافية و المعاهد الفنية المتخصصة بالإضافة إلى إصدار تشريعات تضمن حرية عمل المؤسسات الثقافية، كما نسعى إلى الاهتمام بالثقافة الوطنية و تهيئة الظروف الداعمة لإنتاج أعمال فكرية وفنية تسهم في تشكيل مشهد ثقافي بديل.
تواجه ليبيا بنية هشة في التعليم، فهل البداية من الصفر ستكون عائقا أمام تطور ثقافي ومعرفي على المدى القريب؟ بالتأكيد ستكون معركة إصلاح التعليم وتطويره من أهم المعارك التي سيخوضها المجتمع الليبي. ندرك الصعوبات الجمة التي نواجهها و لكننا ندرك أيضا الفرص المتاحة للذين ينطلقون من الصفر فهم في الكثير من الأحيان قادرين على الاستنباط والتعلم بحرية أكثر من الذين تكبلهم تجارب الماضي. نحن نعول على الطاقات الإبداعية لدى شبابنا والتي تفجرت أبان الثورة و أبهرتنا جميعا. المجال التكويني عنصر هام من أجل تقدم وتطور الشعوب النامية أو التي هي في طريق النمو، هل أنتم عازمون على خلق فضاءات للتكوين داخل ليبيا، أم أنكم ستتوجهون إلى الخارج؟ سنتجه نحو المؤسسات الدولية المختصة والى البلدان الصديقة و الشقيقة من أجل المساعدة في تكوين فضاءات للتكوين داخل ليبيا كما سنعتمد على تطوير و تنظيم قدراتنا الذاتية، وسنتوسع في إرسال البعثات إلى الخارج لتطوير قدرات شبابنا والى تكثيف العلاقات الثقافية بيننا وبين العالم بما يحقق أهدافنا الوطنية. هل هناك تصور لديكم للعمل الثقافي على المستوى الخارجي، وهل إنشاء مراكز ثقافية ليبية خارج الوطن من اهتماماتكم الخارجية؟ اعتقد إن الحديث عن مراكز ثقافية ليبية الآن هو أمر سابق لأوانه، فلا زال أمامنا الكثير الذي لا بد من إنجازه قبل التفكير في إنشاء مراكز جديدة. علينا العمل على تنظيم وترتيب بيتنا الثقافي ووضع المعايير و المقاييس و إعداد الأطر الملائمة ومن ثم التوجه نحو الخارج بصورة تقدم الثقافة الليبية بشكل معاصر و مغاير لما كانت علية بالماضي. هل هناك تطور ثقافي في العلاقة مع المغرب، وما هي خطواتكم المقبلة في هذا المنحى؟ نتطلع إلى بناء علاقات ثقافية مميزة مع المغرب الشقيق الذي يزخر بالإمكانيات و بتنوع فكري وثقافي و لغوي مميز، كما نتطلع إلى الاستفادة من التجربة المغربية و سنخلق بإذن الله المناخ الذي يستطيع فيه المثقفون و المؤسسات الثقافية من البلدين من التواصل بكل حرية وسيلقون كل الدعم من الوزارة بإذن الله. وفي ختام هذا الحديث أود أن أتوجه بالشكر لكم كما أتوجه بالتحية لكل الأصدقاء من الأدباء و الفنانين والمثقفين بالمغرب و أتطلع لرؤية إسهاماتهم في مهرجانات مشتركة قادمة لا ريب فيها.