يصادف يومه الاربعاء 13 نونبر الاحتفال باليوم العالمي للطف. لأول مرة أسمع بهذا اليوم العالمي. لم تعد أيام السنة خالية من الأعياد، بعد الأعياد الدينية والأعياد الوطنية، صارت أيامنا كلها أعياد. هناك من يعمل بجد لنتوهم أن حياتنا مسلسل من الأعياد المتتالية. لكني لا أعرف الجهات التي تقرر أن يحتفل الناس جميعا بعيد ما من مثل هذه الأيام. حتى أنه في اليوم الواحد قد يلتقي عيدان أو أكثر من نوع هذه الأعياد الإعلامية. نعرف اليوم العالمي للمرأة، واليوم العالمي لحقوق الإنسان، واليوم العالمي للبيئة، واليوم العالمي للشعر، وهذا الأخير خرج من بيت الشعر المغربي أثناء فترة رئاسة الشاعر محمد بنيس للبيت، وتبنته اليونسكو باقتراح من المغرب. لكن من اقترح الاحتفال باليوم العالمي للكذب الذي يحل مع حلول الربيع، من دون أن نعرف الجهة التي كرسته، لا شك أنها بلد يضيق أهله بالصدق طوال السنة فاخترعوا لهم يوما يتنفسون فيه من صدقهم. وعلى هذا الأساس كان علينا نحن العرب أن نخترع يوما واحدا في السنة نسميه باليوم العالمي للصدق. وما دام يوم الكذب يأتي مع الربيع فقد اخترعوا لنا "الربيع العربي" الذي أسقط باقي الفصول لننعم بنسائمه اللافحة.
لنعد إلى يومنا الخاص باللطف.. لقد أصبح العالم أكثر خشونة وعنفا وصلافة، فلا بأس من الاستراحة قليلا. لكننا لم نطلع بعد على طقوس الاحتفال باليوم العالمي للطف.. - هل سنتصنع البسمة البلهاء ساعات النهار كله في وجوه من نصادفهم؟ - هل سنسمح في أبسط حقوقنا كجبناء؟ أو أن على المعطلين المعتصمين أمام واجهة البرلمان مثلا، أن يوقفوا احتجاجهم هذا اليوم ويبعثوا ببرقية تهنئة وتبريك إلى الحكومة ورئيسها عبد الإله بنكيران ، كلها شكر وامتنان على السماح لهم بالتظاهر اليومي وشغل وقتهم بترديد الشعارات والهتافات المطالبة باحترام حقهم في إيجاد فرصة عمل.
أنا في حيرة من أمري .. دلوني يا ناس.. أريد أن أحتفل مع العالم بيوم اللطف، ألا يكفي أنني أردد مع الداعين كل يوم بأن يلطف الله بنا وببلادنا ويقينا من المصائب والويلات التي تحدق بنا .. يا لطيف ...؟ إن ملصق الدعوة للاحتفال باللطف عالميا يحمل شعار "كن لطيفا ترى الوجود لطيفا"، وعلى ملصقات فرنسية أخرى نقرأ:"اللطف في المدرسة أيضا"، و سؤال "هل أنت إنسان لطيف؟" و" ماذا ستفعل هذا اليوم؟"، وغيرها من العبارات المماثلة. وقد امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بالثرثرة والكلام الفائض حول اللطف وما جاوره. لكن هل اللطف سلوك في المتناول، سنستيقظ اليوم لنستهلكه بزيادة مع وجبة الفطور؟ هل اللطف أمر يعني المواطنين فقط أم يشمل أيضا السلطات والحكومة والإدارات ومحتكري العقارات؟ هل يكفي يوم واحد نلبس فيه ملامح اللطف، ونحقن بجرعات زائدة من اللطف "تجري علينا العام كله".. أم أن الأمر مجرد استذكار واستحضار لسلوكات وتعابير إنسانية أضحت في سجل الاضمحلال والانقراض؟
هل... عفوا، نسيت أن من شروط اللطف عدم الإكثار من الأسئلة. وإن كنت أود أن أستفتي في موضوع الاستلطاف هل هو حرام أم حلال؟ أم أنه يدخل في باب التحرش لو وجّه إلى الجنس اللطيف؟ في الماضي القريب أسقط مغاربة الأمس الظهير البربري بدعاء "يا لطيف.. يا لطيف.."، و"يا لطيف" اليوم محال "تقضي شي حاجة". وعلى الرغم من ذلك سوف لن نتوقف عن سؤال اللطف والألطاف يا لطيف..