من المؤكد أن التوتر الكبير الذي يحصل حاليا بين المغرب و الدولة الجزائرية، يثير العديد من التساؤلات حول خلفياته و أبعاده، خاصة و أن النزاع مع هذه الدولة حول التركة الإستعمارية، ليس جديدا، فقد تبنت قيادة الجيش في هذا البلد، الخريطة التي ورثتها من الإحتلال الفرنسي، و تعاملت معها كشعار وطني، لأن ليس لها أية شرعية أخرى، غير الدفاع عن الحدود و الإستراتيجيات، التي خطط لها المستعمرون في باريس، أما الشرعية الثورية، فقد انطفأت مع الإنقلاب على الرئيس الأسبق أحمد بنبلة، و اغتيال أغلب قادة جيش التحرير الجزائري. هذه أمور معروفة، و قد أطنب فيها الكتاب و الدارسون و الباحثون، و منهم جزائريون، من رجال الحركة الوطنية و السياسة و الباحثين. لذلك لن نطيل في التدليل على أننا أمام استراتيجية استعمارية، ليس فقط في التعامل مع المغرب، بل حتى في تعامل الدولة الجزائرية مع شعبها، حيث يتعرض للنهب، بشكل لم يسبق له مثيل، و لا أدل على ذلك أن أغنى دولة مغاربية، جعلت من مواطنيها أفقر المواطنين في هذه المنطقة.
ما يهمنا هنا هو أن نحاول فهم دوافع التصعيد الأخير للأجهزة الأمنية و المخابراتية الجزائرية، لأن القول بأن هذا التصعيد مصدره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، و هو رجل مريض، مازال يعاني من آثار الجلطة الدماغية، و تجاوز 77 سنة من عمره، أمر غير منطقي.
هناك العديد من التحاليل، سارت في اتجاه عزو هذا التصعيد إلى الهلع الذي أصاب الدولة الجزائرية، و هي ترى أن المغرب قد واصل نجاحه في نسج علاقات قوية مع عدد من الدول الإفريقية، و خاصة في منطقة الساحل، حيث عملت المخابرات الجزائرية، على زرع التوتر و تسريب الإرهاب و تغذيته، لابتزازدول المنطقة. و سجلت هذه المخابرات أن المغرب، رفقة دول أخرى، مثل فرنسا، يعمل على تأمين استقرار المنطقة، الأمر الذي يضرب، في العمق، خطة الأجهزة الجزائرية.
المنهج التحليلي ألآخر، سار في اتجاه نسب التصعيد الجزائري، إلى محاولة الضغط على المبعوث الشخصي الأممي، كريستوفر روس، في قضية الصحراء، حتى يعدل تقريره، الذي سيقدمه للأمين العام، بان كي مون، حول زيارته للمنطقة، و يضمنه وجهة نظر مخابراتها، بتوسيع صلاحيات المينورسو. و هذا التحليل أيضا صحيح، خاصة و أن الخطة التي رسمتها هذه المخابرات، من أجل خلق ظروف الفتنة، و إستفزاز قوات الأمن المغربية للتدخل العنيف في الصحراء، فشلت، لذلك لم يبق أمام الحكام الحقيقيين للجزائر، و الذين حتما لن نجد بينهم، الرجل المريض بوتفليقة، إلا تجميع "قوى"، يغدق عليها من مال الشعب الجزائري، في العاصمة النيجيرية، أبوجا، تحت شعار "مؤتمر دعم الشعب الصحراوي"، لتقديم "تبرير" لروس حتى يعيد محاولاته بإسناد مهمة مراقبة حقوق الإنسان، للبعثة الأممية في الصحراء.
هذه دوافع حقيقية للسياسة الجزائرية ضد المغرب، و كل التحاليل المتعلقة بها، صحيحة، لكن المعطى الجديد، الذي دخل في هذه الإستراتيجية، هو ما قامت به قناة "نوميديا"، التابعة لهذه المخابرات، و التي بثت، في إحدى نشراتها الإخبارية، "تقريرا" خاصا، حول "المرض الخطير" للملك محمد السادس، و "مشكلة الخلافة على العرش".
من الواضح أن التقرير كاذب، و سبق ان روجت مثيله، مصادر في المغرب، و كذلك المخابرات الإسبانية، عندما أعلنت وزارة القصور الملكية و التشريفات و الأوسمة، سنة 2009، عن إصابة الملك محمد السادس، بمرض "روطا فيروس". لكن هذه المرة ليس هناك ما يبرر إثارة الموضوع، من طرف القناة المذكورة، إذ لم يتم الإعلان، تماما، عن أية إصابة.
السؤال، الذي يتبادر إلى الذهن، هو لماذا تنشر المخابرات الجزائرية هذه الإشاعات؟ والجواب قد نجده في تحليل السياق الجزائري، حيث أعلن الأمين العام، لحزب جبهة التحرير الجزائري، الحاكم، عمار سعيداني،عن ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة، مع العلم أن هذا الرئيس قد عاد لتوه، من فرنسا، حيث كان بين الحياة و الموت.
الجيش الجزائري، يفضل التعامل حاليا مع الرجل المريض، على أي مرشح آخر، قد يخرج عن الإستراتيجية التي رسمها، لذلك كان ملزما عليه البحث عن هذا السيناريو، الذي قد يحول أنظار الشعب الجزائري، عن معضلة رئيس مريض، يقضي يومه في غرفة الإنعاش، و مع ذلك يرشحونه لولاية رابعة، و هو أقرب إلى القبرمنه إلى قصر المرادية.
إستراتيجية المخابرات الجزائرية، ليس لها بديل آخر، غير العداوة للمغرب، لأن هذه الخطة نجحت في الحفاط على نفوذها و على الدعم الإمبريالي لها،و خاصة في مؤامرة التجزيء و البلقنة، و اليوم تبحث عن مختلف الطرق كي يبتلع الشعب الجزائري ترشيح رئيس مريض فعلا.