يقوم الملك خوان كارلوس، عاهل إسبانيا، بزيارة للمغرب بين 15 و17 من الشهر الجاري، ويرافقه وفد هام يضم أعضاء بالحكومة وتسعة وزراء خارجية سابقين ورؤساء أهم المقاولات الإسبانية. وسيضم الوفد، على الخصوص، وزراء الشؤون الخارجية والتعاون خوصي مانويل غارسيا مارغايو، والداخلية خورخي فيرناندير دياز، والعدل ألبيرتو رويز كالديرون، والصناعة والطاقة والسياحة خوصي مانويل سوريا، والتجهيز أنا باستور. كما يتكون الوفد الرسمي المرافق للعاهل الاسباني من مسؤولين آخرين من بينهم كاتب الدولة الإسباني في التجارة خايمي غارسيا ليغاز، والمفوض السامي للحكومة المكلف بالترويج ل"صورة إسبانيا" كارلوس إسبينوزا، والمدير العام للجامعات الإسبانية، وعدد من رؤساء الجامعات، بالإضافة إلى رؤساء الكونفدرالية الإسبانية لمنظمات المقاولات، والكونفدرالية الإسبانية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، والمجلس الأعلى لغرف التجارة. وخلال هذه الزيارة، سيجري جلالة الملك محمد السادس محادثات مع العاهل الإسباني. وتكتسي زيارة العاهل الإسباني للمغرب أهمية كبيرة نظرا للعلاقات التاريخية والإستراتجية التي تربط بين البلدين، وفي هذا السياق قال جلالة الملك في خطاب العرش لسنة 2012 "في سياق العلاقات المتطورة مع جميع دول الاتحاد الأوروبي٬ نود الإشادة بعمق الروابط التاريخية٬ وبالآفاق الواسعة التي تجمع المغرب بالجارة إسبانيا٬ المدعومة بالأواصر الوطيدة التي تجمعنا بجلالة الملك خوان كارلوس الأول٬ وبالوشائج التاريخية بين الأسرتين الملكيتين في البلدين الجارين. وفي هذه الظرفية الصعبة التي نجتازها٬ نعرب مجددا عن التزامنا بتسهيل سبل إتاحة الفرص٬ لتوفير ظروف اقتصادية جديدة وملائمة٬ من أجل خلق ثروات مشتركة٬ تجسيدا لعمق التضامن الفعلي بين بلدينا. وتعتبر زيارة الملك خوان كارلوس للمغرب هي الأولى من نوعها للعاهل الإسباني إلى بلد أجنبي منذ إجرائه للعملية الجراحية على العمود الفقري. كما تأتي هذه الزيارة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها إسبانيا، فالجارة الإيبيرية كان اقتصادها يضاهي بنموه السريع وارتفاع مؤشره في البورصات العالمية ومنافسة اعتى الدول الاقتصادية في أوروبا يوجد اليوم في أسفل القائمة مثله مثل البرتغال واليونان وقبرص، حيث يعاني من بطالة بلغت أربعة ملايين نسمة وآلاف الشركات التي أغلقت أبوابها، وأبناك في حاجة إلى السيولة المالية، والمشاكل الاجتماعية لا عد لها ولا حصر. ولا بديل لإسبانيا عن شركائها في الضفة الجنوبية من المتوسط. وتعول إسبانيا على شراكتها مع المغرب، باعتباره البلد الشمال إفريقي والعربي الذي عرف تطورات مهمة على المستوى السياسي في العشر سنوات الأخيرة، وخصوصا بعد بدء الحراك الشعبي حيث أقدم جلالة الملك محمد السادس على خطوات ثورية تمثلت في خطاب التاسع من مارس وإقرار دستور فاتح يوليوز الذي تم بتوافق شعبي وبمنهجية تشاركية حيث تمت صياغته من قبل ممثلي الشعب، وتقف إسبانيا مندهشة أمام التغيرات التي يعرفها المغرب منذ عشر سنوات، حيث أقدم المغرب على إنجاز المصالحة التاريخية التي من خلالها تم تعويض ضحايا سنوات الرصاص وإقرار آليات مراقبة حقوق الإنسان وصولا إلى تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان. وانصبت اهتمامات المغرب في السنوات الأخيرة على تهييء بنيات تحتية للاستثمارات كبيرة ورائدة حيث شدد جلالة الملك في الخطاب المشار إليه اعلاه على ضرورة تركيز الجهود على النهوض بمختلف المجالات الصناعية الواعدة ٬ وخاصة التكنولوجيات الجديدة من خلال تهيئة أقطاب وفضاءات اقتصادية مندمجة ودعم البرامج والمشاريع المندرجة في إطار مخطط المغرب الأخضر٬ بالإضافة إلى تطوير الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفق مقاربة مجددة٬ مع إحداث الهيأة المغربية للاستثمار٬ "التي تتوخى تعزيز الاستثمار في مختلف المجالات المنتجة "٬ وكذلك دعم القطاع السياحي٬ الذي يشكل رافعة قوية لخلق الثروة وإحداث مناصب للشغل. و في هذا الإطار أقدم المغرب على إصلاحات اقتصادية عميقة لتعزيز البنيات التحتية للمدن المغربية وتحسين تهيئتها وفك العزلة عن العالم القروي٬ من خلال تزويده بالتجهيزات اللازمة، وقام بتوفير المناخ الملائم لتحفيز الاستثمار٬ علاوة على نهج سياسة للتأهيل الاجتماعي.وانصبت الجهود المغربية على النهوض بمختلف المجالات الصناعية٬ والتكنولوجيات الحديثة٬ من خلال تهيئة أقطاب وفضاءات اقتصادية مندمجة٬ كفيلة بتوسيع آفاق الاستثمار٬ وتحسين القدرات التنافسية لمقاولاتنا". وكما تعول المقاولة الإسبانية على المغرب فإن العكس أيضا صحيح ومن هنا وجبت الإشارة إلى أن علاقات المغرب وإسبانيا الاقتصادية هي علاقات تعاون بين جارين لا تخضع لقوانين التنافسية القاتلة. وكما هو الشأن بالنسبة لأي زيارة يقوم بها مسؤول إسباني إلى المغرب فإن قضية الصحراء لا بد أن تكون محط نقاش خصوصا وأن اسبانيا ترى في الحل المغربي المقترح انفراجا مهما وكبيرا سيمكن المنطقة من العيش في أمن وآمان. كما أنه لابد من إثارة قضية سبتة ومليلية والجزر المغربية المحتلة لكن دون الدخول في تفاصيل المواقف الواضحة لكل طرف. ومن أهم الملفات المشتركة بين البلدين هو ملف الهجرة السرية للأفارقة حيث تقوم قوات الأمن في البلدين على السيطرة على الوضع، كما يلتقي المغرب وإسبانيا في استراتيجية مكافحة الإرهاب وكان آخرها التفكيك المشترك لخلية تهجير المغاربة إلى سوريا قصد الجهاد ضد القوات النظامية.