شاكر النابلسي كاتب وباحث أردني من مواليد 1940 م مختص بقضايا الإصلاح في الوطن العربي والقضايا الإسلامية بالإضافة لكونه باحث ليبرالي في الفكر العربي، ويصنف بين من يوصفون "بالليبراليين الجدد" في المنطقة العربية. له مؤلفات كثيرة وعُرف بمقالاته التي تتناول في مجملها الإصلاح إضافة للمنظمات والأفكار "الراديكالية" و"المتطرفة" في الوطن العربي. إن أهم ما يميز فكر النابلسي هو التفاؤل في نظرته نحو العلمانية في العالم العربي فقد رأى أن انتصارها هو نتيجة حتمية، يقول: « ونحن نتصور بأن يستمر تجاذب الأطراف على هذا النحو طيلة القرن الحادي والعشرين بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العلمانية، مع يقيننا بأن التيار العلماني هو الذي سيتغلب في النهاية، ولنا في ذلك أسبابنا التالية: » وذكر عدة من الأسباب منها: «إلغاء المحاكم الشرعية في معظم الدول العربية وإنشاء المحاكم المدنية بقوانين وضعية، وفي بعض الدول بقيت المحاكم الشرعية ولكن قُلصت صلاحياتها بحيث اقتصرت على النظر في القضايا التي لها علاقة بالدين كالزواج والطلاق والإرث ومسائل الوقف وخلاف ذلك - إلغاء إقامة الحدود والعقوبات الشرعية من رجم وجلد وتعزير وقطع رقبة في معظم البلدان العربية، واستبدالها بعقوبات مدنية موضوعة - زوال العهد العثماني رمز الدولة الدينية، وزوال الاستعمار الغربي الذي من أجله حوربت الدولة العلمانية - وأخيراً، فإن سقوط الاتحاد السوفياتي وانمحائه من الخارطة السياسية العالمية وانفراد أمريكا –والغرب العلماني إلى جانبها- في قيادة العالم والتأثير عليه سياسياً وعلمياً واقتصادياً، ووقوف أمريكا ضد الدولة الدينية. .، كذلك محاربتها ومعاقبتها ومطاردتها للجماعات الإسلامية في الشرق الأوسط والأقصى قد شدَّ من ساعد التيار العلماني في العربي، وسوف يشدُّ من ساعده أكثر فأكثر في القرن الحادي والعشرين ويشجع الدولة العربية الحديثة على المزيد من التطبيقات العلمانية».
أثارت أفكاره المتعلقة بالإسلام جدلاً واسعاً في الأوساط الإسلامية, فقد تميزت كتابات النابلسي بالجرأة على نقد المقدس، ففي سياق حديثه عن القرآن يقول: «فالقرآن الكريم، هو أهم مصدر تاريخي/ وعظي/ عجائبي/ أخلاقي لنا ولغيرنا من المؤرخين ومن الباحثين –حيث كان الكلام التاريخي المكتوب الوحيد الدال في صدر الإسلام المبكر-، من الصعب أن يكون مصدراً تاريخياً علمياً، لسبب بسيط جداً وهو أن الأخبار التي وردت فيه عن الماضي وعن حاضر القرآن غير موثّقة بتواريخ محددة، أو بمصادر تاريخية أخرى موثوقة تسندها، يستطيع المؤرخ أو الباحث معها اعتمادها، وبناء أحكامه واستنتاجاته على أساسها. فالقرآن جاء على دفعات متفرقة، خلال مدة طويلة بلغت حوالي ثلاثة وعشرين عاماً، وتاريخ مجيء معظم آيات القرآن غير موثق تاريخياً باليوم والشهر والسنة والمكان المحدد، وترتيب القرآن توفيقي، لم يراعَ فيه تاريخ النزول ولا اتخاذ الموضوع، ولا سيما أن في القرآن الكريم آراء متضاربة حول كثير من المواقف نحو الأحداث والأديان الأخرى، وعلى رأسها اليهودية، وبالتالي فإن القرآن لم يكُ "كتاب تاريخ" بقدر ما كان كتاب "موعظة تاريخية"». ويدخل في هذا السياق أيضاً كلامه حول تاريخ العرب قبل الإسلام، فقد رأى النابلسي أنهم تعرضوا للظلم والحيف بسبب أن الإسلام قام بتعمية ذلك التاريخ وأغلق دونه حجاباً, يقول النابلسي حول هذا الموضوع: «من الصعوبات التي يواجهها الباحث في هذا الشأن، إشكالية أنه قد تمَّ التعتيم على تاريخ ما قبل البعثة المحمدية تعتيماً يكاد يكون تاماً على اعتبار "أن الإسلام يجبُّ ما قبله"، أي أن الإسلام يُلغي ما قبله، ولم يكُ بين أيدينا غير شعر ما قبل الإسلام (ق.س)، وبعض روايات الإخباريين، وهذا هو حال صراع الأيديولوجيات في التاريخ، فكلما جاءت أيديولوجيا ألغت سابقتها، ورمتها بالجهل والتخلف والانحلال، وتصدرت هي واجهة التاريخ وحدها، وكان كل ما سبقها جهلاً وجهالة وسفهاً وسفاهة، ومن العهود البائدة، والأزمنة الفاقدة.» وفي إحدى كتاباته أوضح أن سبب تصادم الإسلام مع اليهودية وتسامحه مع المسيحية يرجع إلى أسباب مادية بحتة, يقول: « إن الإسلام عندما ظهر لم يصطدم مع المسيحيين المساكين البعيدين عن لعبة المال والسياسية ولم يتحارب معهم كما اصطدم وتحارب مع اليهود القابضين على زمام الاقتصاد المديني والذي كان سبب العداء بين المسلمين واليهود» كما رأى أن العلة في تحريم الربا في الإسلام هو محاربة اليهود الذين كانوا يتعاملون به على نطاق واسع، قال النابلسي: «هل سكوت الإسلام الطويل عن تعاطي قريش الربا كان مرده إلى أن الإسلام كان لا يريد أن يُغضب قريشاً كثيراً ويُصيب تجارتها في مقتل ما، حتى لا تقاوم الإسلام أكثر فأكثر، وتؤذي رسوله أكثر فأكثر؟ والدليل على ذلك أن أول سورة مكية (سورة الروم) جاءت في شأن الربا، لم تُحرّم الربا، وإنما دعت بالحُسنى إلى إقراض المال للمحتاج ولوجه الله، علماً بأن مكة كان فيها كثير من المرابين من عرب ويهود أيضاً، وكان فيها ربا فاحش شأنه شأن ربا المدينة، وإن تحريم الربا هذا التحريم القاطع المانع المتأخر جداً، قد صدر في المدينة بعد هجرة الرسول إليها بزمن طويل، وبعد خصامه مع اليهود الذين كانوا من أكبر المرابين في المدينة. وهل كان تحريم الربا بعد الهجرة النبوية إلى المدينة بوقت طويل، وقبل وفاة الرسول بتسع ليال فقط، جاء بعد خلاف الرسول المالي الطويل مع اليهود، وكيداً باليهود، وذلك بتوجيه ضربة مالية قوية لهم».