تشكل الحرب في أوكرانيا أحد تجليات العجز الغربي عن بلورة مفهوم جديد للأمن في أوروبا يشمل روسيا ويطمئنها بخصوص أمنها القومي. لقد حرص حلف شمال الأطلسي، وهو حلف ينتمي لعصر ولى، بل حلف منتهي الصلاحية، لتبرير استمراره، على منع القارة العجوز من بناء منظومة دفاعية مستقلة، وناجعة، وعلى استعداء روسيا من خلال الضم الشره لبلدان الاتحاد السوفياتي المنهار. وقد حدث ما كان منتظرا فعلا. فالدب الروسي وبعد أن استعاد بعضا من قواه، بدأ ينتقل من مراجعة هنا إلى إدعاء هناك، ومن توجيه ضربة موجعة في هذه الساحة إلى تحرك مفاجئ في أخرى. لكن لاشيء يبرر الاجتياح الروسي لأوكرانيا، لا التردد الأوروبي، ولا التصريحات العنترية ل"الناتو"، ولا حتى إعلانات المبادئ التي يقوم بها الرئيس الأمريكي جون بايدن. إن هذه الحرب التي تأمل أطرافها في حسمها تحت عنوان مستعار، هو أوكرانيا، حرب مدانة تماما كما هي كل الحروب. يجب أن تتوقف هذه الحرب فورا، فقد خلفت عددا كبيرا من الضحايا الأبرياء وعددا كبيرا من اللاجئين. لقد خلفت مأساة كبيرة ومعاناة أكبر، وكان فيها المدنيون العزل ضحية عنف غير مبرر. والتسوية الوحيدة الممكنة لهذا النزاع، وكما أكد ذلك المغرب في مناسبتن، تكمن في الوضوح، والحوار، والدبلوماسية، والتفاوض، واحترام الوحدة الترابية للبلدان. فإذا كانت طريق السلام الفوري هذه تمر عبر الأخذ بعن الاعتبار مخاوف روسيا الأمنية من قبل الأوروبيين و"الناتو" فليكن. وإذا كانت طريق السلام الفوري تمر عبر حياد، يتعين ابتكاره، لأوكرانيا في حدودها المعترف بها فليكن أيضا. وأخيرا، إذا كانت سبل السلام الفوري تمر عبر احترام أفضل للحقوق الثقافية وعبر حكم ذاتي لكل الأقليات، فليتحرك الجميع في هذا الاتجاه أيضا. لا أحد في الغرب يرغب في أن يموت من أجل أوكرانيا، فهم بالأحرى مستعدون للقتال حتى آخر أوكراني. ولا أحد أيضا يرغب في تدمير كلي لهذا البلد، ولا في التصفية الإجرامية لكل مواطنيه. وفي المحصلة فإن الكل يعلم أن أي انتصار روسي سيكون هزيمة في ثوب انتصار مأساوي وبدون قيمة، بالنظر لحجم الخسائر المرتقبة. بالنظر لكل هذا يجب على الجميع الجلوس إلى مائدة واحدة، والشروع في مفاوضات شاملة وجدية، مفاوضات تبعد خطر حرب عالمية ثالثة وشبح مواجهة نووية شاملة.