مرة أخرى تقرر جريدة المساء ركوب موجة التنطع، واعتماد سياسة خالف تعرف في علاقتها بالدولة، ربما لاستعادة تلك الفئة من القراء التي فقدتها خلال شهور من التراجع المهني، ولم تجد اليومية التي يقبع مديرها في السجن منذ ما يقارب خمسة أشهر سوى التشكيك في الرواية الرسمية التي تخص ملف خلية البتار، التي تم اعتقال أفرادها الثلاثة يوم الخميس الماضي، مع أن نفس الجريدة خصصت ركنها اليومي لعدد الإثنين الماضي للتنويه بالمصالح الأمنية التي فككت خلية البتار الإرهابية، بل وذهبت إلى حد اعتبار العملية برمتها خطوة استباقية لمنع تكرار حادث أركانة الذي أودى بحياة 16 مواطنا، كما أن الجريدة وبشكل مفاجئ أعادت الإعتبار للأجهزة الأمنية التي ساهمت بدور فعال في تفكيك الخلية الجديدة. جريدة المساء التي لم تخجل مرة أخرى، أو بمعنى أصح لم تتورع في التشكيك في رواية الأمن الرسمية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، في إطار تفكيك الخلية، التي تمت من خلال معطيات ميدانية هي نتاج ست سنوات من التتبع والمراقبة اللصيقة للمتهم الرئيسي الذي برع في مجال المعلوميات، والشبكة العنكبوتية.
ووجه الغرابة في رواية المساء الجديدة التي لا معنى لها، والتي خالفت بها كل الأعراف، أنها استضافت على صفحاتها عائلة المتهم الرئيسي في الخلية معاذ إرشاد الذي يعتبر العقل المدبر وواحد من أخطر مستعملي الأنترنيت في التواصل مع الجماعات الإرهابية خاصة مع القاعدة، حيث أفردت الجريدة صفحة كاملة للحديث إلى الأسرة وإلى جيران المتهم، معززة ذلك كله بالصور.
حيث نفت أسرة المتهم الأول نفيا قاطعا أن يكون إبنها ضمن خلية إرهابية، أو أن يكون حتى اختلط بمن يمكن أن يوصفوا بالإرهابيين، وذهبت زوجة أبيه حد التأكيد أن معاذ لا يغلق باب غرفته، في إشارة إلى أن لا شيء سري يوجد فيها، وحتى المسدس البلاستيكي الذي ضبط في حجرته، قال عنه والده إنه تذكار من أمه المطلقة.
وإذا كان من المنطقي أن تدفع العائلة تهمة خطيرة كهاته عن إبنها، فإن ما يدخل في باب التغليط بل والتمويه الطريقة التي تناولت بها جريدة المساء الملف برمته، خصوصا أنها تجشمت عناء التنقل إلى حيث منزل المتهم بشارع ادريس الحارثي بحي مولاي رشيد، إذ حاولت المساء أن تقدم المتهم لقراءها على أنه ضحية مخططات أمنية وليس فاعلا في مجال الإرهاب المرتبط بالشبكة العنكبوتية.
إن الطريقة التي اعتمدتها جريدة المساء في التعامل مع العملية الأخيرة تنم عن موقف غريب ملؤه الحقد والضغينة، ومن خلال وقفة متأنية سنعرف الأسباب والمرامي التي تجعل الجريدة تغالط الحقائق وتقلب المعطيات كلما تعلق الأمر بأعمال إرهابية، أو تفكيك خلية من الخلايا، وهي أسباب تدعو فعلا إلى الغرابة والإستغراب، وتؤكد أن الجريدة تحمل فعلا نوايا مبيتة اتجاه الأجهزة الأمنية، بل وتتصيد الفرص من أجل تمرير خطابها التشكيكي. لكنها سقطت في مطب التناقض وكأنها تقول: الإرهاب موجود الإرهاب غير موجود.