مع بدء أكبر محاكمة في تاريخ فرنسا الحديث، لمحاسبة المتهمين في الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها العاصمة باريس في 13 نوفمبر 2015، فإن البلاد سوف تتذكر واحدة من أقسى الأوقات التي عاشتها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وفقا لما ذكر موقع "بوليتيكو" الأميركي. ويتوقع أن تستغرق هذه المحاكمة التاريخية 9 أشهر يجري فيها الاستماع إلى شهادات 300 شخص، بينهم ناجون من الهجمات الدموية التي خلفت 130 قتيلا وأكثر من 350 جريحا. وشهدت فرنسا في هذا اليوم هجمات منظمة ومتزامنة في أنحاء العاصمة باريس استهدفت بالأحزمة الناسفة مباراة فيملعب فرنسا، وحفل موسيقي في قاعة باطاكلان، فضلا عن إطلاق نار عشوائي على محلات ومقاهي. وسيمثل أمام القضاء 20 متهما، من بينهم صلاح عبد السلام، المتطرف الوحيد الذي بقي على قيد الحياة من بين الإرهابيين الذين خططوا لهذه الاعتداءات، والتي تبناها تنظيم داعش. وستجري محاكمة 6 من المتهمين غيابيا، حيث أن أحدهم مسجون في تركيا فيما لايزال البقية في عداد المفقودين، مع الإشارة إلى أن نفس هذه الشبكة الإرهابية كانت قد نفذت هجمات في بروكسل بعد أشهر من اعتداءات باريس، وأسفرت عن مقتل 32 شخصا آخرين. وبحسب "بوليتكو" فقد غيرت تلك الهجمات نظرة الفرنسيين تجاه العديد من القضايا على رأسها الإسلام والهجرة والأمن، فيما أعرب الناجون وأقارب الضحايا عن أملهم أن تساعد المحاكمة في التخفيف بعض الشيء عن أحزانهم وآلامهم. وقال آرثر دينوفو، أحد الناجين من هجمات باتاكلان ورئيس مجموعة الضحايا "الحياة من أجل باريس" لوكالة فرانس برس: "لدينا جميعاً توقعاتنا الخاصة.. لكننا نعلم أنها خطوة مهمة في استكمال حياتنا بعد ذلك". من جهته أوضح دومينيك كيليموس، الذي نزف ابنه حتى الموت في أحد المقاهي في تلك الليلة، أن الشهر المخصص لشهادات الضحايا في المحاكمة سيكون حاسما في تعافيهم وتعافي الأمة. وأضاف "القتلة، هؤلاء الإرهابيون، اعتقدوا أنهم كانوا يطلقون النار على حشد من الناس. لكنه لم يكن حشدا، بل كانوا أشخاصا لهم حيواتهم، كانت لديهم آمال وتوقعات، وعلينا الحديث عنهم في المحاكمة. هذا مهم"، بحسب وكالة "أسوشيتد برس". "الرد الديمقراطي" ومن جانبها كتبت صحيفة لوموند اليومية في افتتاحيتها أن المحاكمة ستكون "رد فرنسا على الإرهاب"، مشيرة إلى ضرورة أن "تظهر محاكمة 13 نوفمبر في باريس أن الديمقراطيات يمكنها محاكمة الإرهاب". ويأمل الكثيرون أيضًا أن تجيب المحاكمة على الأسئلة العالقة بشأن ما حدث، إذ أنه من غير الواضح سبب تراجع عبد السلام عن تنفيذ عملية انتحارية، فلا أحد يعمل فيما إذا كانت سترته المفخخة قد تعطلت أو غير رأيه في اللحظات الأخيرة". كما سيتم التركيز أيضًا على إخفاقات أجهزة المخابرات الفرنسية وعدم التعاون بين الدول الأوروبية، نظرًا لوجود تحذيرات من وقوع هجوم. والمحاكمة أيضا، بحسب أحد المسؤولين في قصر الإليزيه، ستكون تذكيرا بأن التهديد الإرهابي ما زال مرتفعا في فرنسا، موضحا: "نحن نعلم الفترات التي تنشط فيها الحركات الإرهابية على وسائل التواصل الاجتماعي، وسوف نبقى يقظين للغاية، حيث تستهدف دعاية التنظيمات بلادنا خلال فصول الصيف".