في محاولة لتحويل الأنظار عما يجري بالجزائر، وقبل يوم واحد من انطلاق مسيرات الشعبية إيذانا باستئناف الحراك الشعبي في ذكراه الثانية، لم يجد نظام الجنرالات سوى الجار المغربي لتعليق فشله عليه وتصويره كعدو وهمي، كما دأبوا على ذلك. وبدل التوجه مباشرة إلى خطاب الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، وجه الجيش الجزائري أصابع الاتهام إلى المغرب، من خلال بلاغ نفى فيه نشر بعض وحداته العسكرية في منطقة الساحل تحت رعاية فرنسا، مدعيا أن ما وصفه بالخبر الكاذب تم نشره من طرف "جهلة" يعملون بأوامر النظام المغربي والصهاينة! هكذا إذن، وبجرة قلم، يحاول جنرالات الجزائر أن يهربوا إلى الأمام بعد شعورهم بالذعر الشديد من عودة الحراك الشعبي بقوة، اليوم الاثنين 22 فبراير، لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على التمييز بين إيمانويل ماكرون والمغرب، إذ أن الرئيس الفرنسي هو الذي قال يوم الثلاثاء الماضي، خلال مؤتمر صحفي في ختام قمة مجموعة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد) في انجمينا، إنه تم تشكيل تحالف ضد الإرهاب في منطقة الساحل، وتعهدت عدة دول من بينها المغرب والجزائر بالمشاركة في عملية "تبوكة". يذكر أن المغرب كان ممثلا في قمة نجامينا برئيس الحكومة سعد الدين العثماني، وهو ما أعلنته الحكومة المغربية، فيما أشار ماكرون في مؤتمر صحفي إلى حضور الجزائر في هذا اللقاء، إلا أن الجنرالات لم يعلنوا ذلك ولجأوا إلى دس رؤوسهم في الرمل كما يفعل النعام. وحسب قصاصة لوكالة الأنباء الجزائرية، نشرت امس الأحد، نفت الجزائر، عبر بيان لوزارة الدفاع، "المزاعم المتعلقة بمشاركة الجيش الوطني الشعبي في عمليات عسكرية خارج الحدود الجزائرية تحت غطاء القوى الأجنبية في إطار بلدان المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل". إلا أنه بدلا من نفي كلام الرئيس الفرنسي في الحين، أي يوم الثلاثاء الماضي، انتظر النظام الجزائري أن يتم التطرق إلى الموضوع على نطاق واسع عبر شبكة الإنترنت من أجل اتهام المغرب. وهكذا نقرأ في بيان وزارة الدفاع الجزائرية ما يلي: "تداولت بعض الأطراف وأبواق الفتنة عبر صفحاتها الإلكترونية التحريضية أخباراً عارية عن الصحة مفادها بأن المؤسسة العسكرية تستند في نشاطاتها وعملياتها الداخلية والخارجية إلى أجندات وأوامر تصدر عن جهات أجنبية وبأن الجيش الوطني الشعبي بصدد إرسال قوات للمشاركة في عمليات عسكرية خارج الحدود الوطنية تحت مظلة قوات أجنبية في إطار مجموعة دول الساحل الخمس، وهو أمر غير وارد وغير مقبول. إنها دعاية لا يمكن أن تصدر إلا من "جهلة" يعملون بأوامر من مصالح" ما أسموه ب" نظام المخزن المغربي والصهيونية" ! هذا البيان الديماغوجي الصادر عن الجنرالات الجزائريين يؤكد أن "مشاركة الجيش الوطني الشعبي خارج حدود البلاد تقررها إرادة الشعب وفق ما ينص عليه دستور الجمهورية"، لكن الشعب الجزائري قاطع الدستور الجديد، إذ لم يصوت عليه إلا 23 في المائة من المسجلين في اللوائح الانتخابية، ومن بين المشاركين النادرين في هذا الاستفتاء صوت أكثر من 33 في المائة منهم ب"لا" على هذا الدستور. وتناسى الجنرالات، الذين أصيبوا بالذعر، بأن الدستور الذي يشيرون إليه سجل أدنى نسبة مشاركة للمواطنين في الاستفتاء منذ استقلال الجزائر عام 1962. علاوة على ذلك، فإن هذا الجيش يتعين عليه أن يستجيب لمطالب الشعب الجزائري الذي يرفع شعار "دولة مدنية ماشي عسكرية" بدلا من محاولة خلق أعداء وهميين. في مواجهة انعدام شعبية غير مسبوقة وأزمة اقتصادية أدت إلى إجراءات تقشفية في جميع الوزارات باستثناء وزارة الدفاع والجيش، يعرف الجيش الوطني الشعبي الجزائري أنه لا يستطيع الحفاظ على وتيرة إنفاق عالية لفترة طويلة بميزانية سنوية تتجاوز 10 مليارات دولار. وفي هذا الإطار، وصف الباحث والمهتم بشؤون الإسلام جيل كيبيل، في كتابه الأخير المثير للاهتمام للغاية، بعنوان "النبي والوباء"، الذي صدر عن دار النشر غاليمار، الأثر الذي يحدثه الجيش الجزائري على ميزانية الدولة قائلا: "في مثل هذه الوضعية المقلقة (الأزمة متعددة الأوجه في الجزائر)، فإن امتيازات الجيش الجزائري تبدو مبالغ فيها: مع 28 في المائة من الميزانية و6 في المائة من الناتج الوطني الخام، يحتل الجيش الجزائري المرتبة الثانية في العالم من حيث القيمة النسبية، وراء السعودية وقبل إسرائيل". وأضاف الباحث الفرنسي قائلا: "المنطق الاقتصادي يفرض أن يخضع هذا الجيش، الذي يبتلع ميزانية ضخمة من المال العام، أيضا للتقشف العام الذي فرضته الأزمة، إذ أن جميع المؤشرات هي باللون الأحمر: لكنه يشكل العمود الفقري للنظام الريعي". مع ذلك، يعلم الجيش الوطني الشعبي، الذي يتبجح دائما بكونه " سليل جيش التحرير الوطني" أن الريع الذي يأتي من مداخيل المحروقات (98 في المائة من الصادرات الجزائرية) تراجع بشكل لا رجعة فيه. وحتى لو احتاج هذا الجيش إلى الحفاظ على توتر دائم مع "العدو التقليدي" أو "العدو الخارجي" لتبرير إنفاقه المبالغ فيه، فهو يعلم أنه سيتعين عليه اتخاذ قرار بإجراء تخفيضات شديدة في إنفاقه. لكن الجنرالات يسعون بكل الوسائل الممكنة إلى تأخير التخفيض في الريع الذي يستفيدون منه. ويساهم في مناوراتهم لتأجيل لحظة الحقيقة، التوتر الدائم الذي يحافظون عليه مع المغرب، الذي يعتبرونه كذبا وبهتانا عدوا للجزائر، في حين يعلم الشعب الجزائري ومعه كل العالم أن أكبر عدو هو نظام الجنرالات الذي يشكل خطرا على استقرار وأمن المنطقة. وحده الوقت ومعه الحراك الشعبي في الجزائر، كفيلان بكشف إلى مدى يمكن لجنرالات الجيش الجزائري أن يذهبوا من أجل الحفاظ على امتيازاتهم.