من شرفة مقر بلدية مراكش أطل قادة المغرب والجزائر وموريتانيا وليبيا وتونس في 17 فبراير من عام 1989 وهم متشابكي الأيدي، في مشهد تاريخي مفاده أن البلدان الخمسة وحدت كلمتها، وتعاهدت على التكتل لبناء اتحاد إقليمي قوي ينضم إلى الاتحادات الاقتصادية العالمية، ويحقق التكامل في النماء ويلغي الحدود . فبعد توقيع معاهدة مراكش توجه قادة "المغرب العربي" في موكب تاريخي إلى جامع الكتبية، بكامل حمولته التاريخية، لأداء صلاة الجمعة كعهد على الوفاء لما تم الاتفاق عليه. أتذكر هذه المشاهد، بعد أن كان لي الشرف إلى جانب عدد من الزملاء الصحافيين في الإسهام في التغطية الإعلامية لنقل هذه الوقائع إلى الجمهور... وأتحسّر اليوم على ما وصلت إليه الأوضاع في المنطقة من تجزئة وتفرقة وتباعد وخسائر اقتصادية، ودخول اتحاد المغرب العربي إلى غرفة الإنعاش في حالة حرجة وميؤوس منها. ماذا حدث وكيف تطورت الأمور؟ بدأت الدسائس والمؤامرات من قلب الغرف العسكرية المظلمة، التي لن تغفر للرئيس الراحل الشاذلي بن جديد التحالف مع "المرّوك" ولم يرقها تخلي القذافي نهائيا عن عصابة البوليساريو، وتوعدت معاوية ولد سيدي احمد الطايع في الخفاء بالانتقام ولو بعد حين. ثم استمرت الجرائم العسكرية من خلال حادث اغتيال الرئيس محمد بوضياف انتقاما منه لتقاربه مع المغرب، ودخول الجزائر بعد ذلك فيما عُرف ب "العشرية السوداء"، إثر إجهاض نتائج الانتخابات التي فاز بها ديمقراطيا حزب "جبهة الإنقاذ الإسلامية". فأبطال هذه الحقبة هم الجنرال الدموي خالد نزار، والجنرال محمد مدين، المعروف باسم توفيق، قائد المخابرات، ومساعديهم بمساندة سعيد بوتفليقة حين كان الذراع اليمنى لأخيه عبد العزيز، والذين وضعوا البلاد في مربع الإرهاب والقتل، وخاصة قتل الصحافيين المعارضين والذين فاق عددهم 120 صحفي. جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وجرفت معها آمال الشعوب الخمس في التكتل والتكامل والوحدة. والواقع اليوم أن من تآمروا على بلدهم وجيرانهم وقتلوا ونهبوا، يعودون اليوم إلى الواجهة بمباركة ومساندة العسكر، لا لشيء إلا لمواجهة "المرّوك" واتهام المغرب بالتآمر عليهم وإعلانهم ظلما وبهتانا بأنه العدو الخارجي الأول. واقع الحال اليوم، وما تؤكده الأحداث الحقيقية، أن المغرب دولة منشغلة بقضايا شعبها، دولة بقيادة الملك محمد السادس لا وقت لها للمهاترات ولا لتضييع الوقت في التفاهات، دولة تتحدى المستحيل وتصرف المليارات لتلقيح شعبها وبالمجان، دولة تسابق الزمن للتغلب على المصاعب وتحقيق التنمية لشعبها في كل الميادين. المغرب بقيادة جلالة الملك محمد السادس حقق ما لا يستطيع المتتبع إحصائه، ويضيق المجال هنا لاستعراضه لكثرته. وفي المقابل قيادة العسكر منشغلة بنا، قيادة لم تستطع حتى تحقيق ابسط متطلبات العيش اليومي لشعبها من سميد وحليب ، دون الحديث عن الكماليات مثل الموز والفراولة... نتائج انشغال القيادة العسكرية الحاكمة والعاجزة والفاشلة في الجزائر صباح مساء ب "المروك" هو حاليا تلقيح 300 مواطن، هو قيادة شائخة على كراسي متحركة لا تستطيع التحكم في "بو..لها" ، هي بلد مصنف عالميا في صف الدول الاستبدادية، بلد تنصح الدول العظمى مواطنيها بعدم زيارته، بلد مهدد بانتهاء عهد النفط والغاز، ونقص فظيع في العملة الصعبة وارتفاع صاروخي في أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، بلد تدهورت فيه حقوق الإنسان بشهادة المنظمات الحقوقية الداخلية والخارجية. ف "القوة الإقليمية الكبرى" كما وصفها تبون، هي التي توفر لشعبها ما يحتاجه من مواد أساسية للعيش الكريم دون الوقوف في طوابير طويلة. القوة الإقليمية الكبرى وصاحبة أكبر منظومة صحية لا يذهب رئيسها للعلاج في الخارج وشعبها لا يجد حتى مستوصفات لأبسط العلاجات. القوة الإقليمية الكبرى تستثمر في العلم وتجهز البنيات التحتية والفوقية وما فوقها عوض تكديس السلاح لصالح حركة انفصالية إرهابية استنزفت جيوب الشعب المفترض أن يكون بلده شبيها بدول الخليج الراقية. الخلاصة، اننا لا نرضى للشعب الجزائري "الخاوة" هذه الأوضاع، في الوقت الذي تذهب دنانيره بالملايير نحو دعم وتسليح حركة انفصالية إرهابية مستبدة، هدفها عبثا تقسيم دولة جارة وتشتيت مواطنيها إلى شعوب وقبائل، وخلق الفتنة والدعوة للقتل والتدمير والتفرقة. واختم بقول الرسول الكريم " المسلم من سلم الناس من لسانه ويده".