توقعت الحكومة الجزائرية تراجع احتياطي الصرف مع نهاية العام الحالي إلى نحو 42 مليون دولار، رغم أن موازنة 2021 توقعت عودة "ارتفاعها" مع نهاية العام المقبل إلى 46.84 مليار دولار. كما أن تراجع عائدات النفط والغاز أدى إلى تقلّص احتياطات النقد الأجنبي للجزائر، مما قد يعجل بانهيار الاقتصاد، وهو الذي يعاني أصلا، وقد يجبر بلاد الغاز والبترول على اللجوء إلى القرار الصعب ألا وهو الاستدانة الخارجية. إذ تراجعت قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية في التعاملات البنكية الرسمية، وانخفض إجمالي الناتج الداخلي الإجمالي بنسبة 3.9 %، مع توقعات بأن يرتفع معدل البطالة مع نهاية العام إلى نحو 20 %، وهو أعلى معدل تسجله البلاد منذ أكثر من 3 عقود، كما أن العجز في الميزان التجاري يقارب ال30 مليار دولار. وتوقعت وزارة الطاقة الجزائرية تراجع مداخيل البلاد من الغاز بنحو 4.7% العام الجاري، بفعل تراجع الطلب من أوروبا والمنافسة من إمدادات أمريكية أرخص، في وقت تعتمد الجزائر على صادرات ومبيعات النفط والغاز في تمويل ميزانيتها العامة بنسبة تتجاوز 97% من دخلها. كما أجبرت آثار كورونا وأسعار النفطية السلبية الحكومة الجزائرية على إقرار أكثر الموازنات تقشفاً وصرامة بنحو 62 مليار دولار، بتراجع قيمته نحو 2 مليار دولار عن موازنة 2020، فالجائحة وتراجع أسعار النفط كبدت الجزائر خسائر بنحو 10 مليارات دولار، وفرضت الجائحة على الحكومة الجزائرية اتخاذ مزيد من الإجراءات التقشفية بهدف التصدي لتداعيات كورونا، كان من أبرزها خفض الإنفاق العام بنسبة 30% وتأجيل المشروعات الحكومية لمواكبة الضغوط الاقتصادية، وخفض نفقات شركة سوناطراك الحكومية للطاقة الخاصة بالاستثمار من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات. كما أن هناك تحذيرات من نفاذ 50% من المخزون المكتشف من الغاز والبترول، في مقابل انخفاض حاد في رقم أعمال صادرات شركة "سوناطراك" النفطية بنحو 41% . وعلى العموم، فالجزائر تتجه نحو الإفلاس وتفتح عليها أبواب "جهنم" والاستدانة من الخارج والغرق وسط وحل الديون نتيجة سياستها الفاشلة، وهو ما قد يؤدي الى تراجع خطير بالنسبة للقدرة الشرائية للجزائريين، التي أصلا تراجعت بنحو 50 % في السنوات ال5 الأخيرة. وفي هذا الصدد، قال الخبير الاقتصادي منصور قديدير، استاذ في المدرسة العليا للاقتصاد في وهران، إن الجزائريين "يشعرون بمرارة" بتباطؤ النشاط الاقتصادي والتجاري من خلال فقدان الوظائف وإغلاق المحال التجارية وتراجع دخل الأسر. ويعاني أول اقتصاد في المغرب الكبير من قلة التنوع واعتماده على ريع النفط (أكثر من 90% من عائداته الخارجية)، ما يجعله معرضا بشكل كبير للتقلبات في أسعار الأسواق العالمية التي تشهد انخفاضا منذ عام 2014. وبسبب الأزمة الصحية، من المتوقع أن تشهد الجزائر ركودا بنسبة 5,2% في عام 2020، فضلاً عن عجز في الموازنة من بين أعلى المعدلات في المنطقة، حسب صندوق النقد الدولي. وفي قانون المالية لعام 2021 (الموازنة العامة للدولة)، قدّرت الحكومة الجزائرية العجز عند 2700 مليار دينار (17,6 مليار يورو)، مقابل 2380 مليار دينار في 2020، أو ما يقرب من 14% من الناتج المحلي الإجمالي. وأشار قديدير إلى أنه "من خلال رسم صورة قاتمة لمالية الدولة، لم يتمكن وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن من تقديم آفاق للخروج من الأزمة، وهذا أمر مقلق". وبالنسبة له فإن "الوضع لا يتطلب خطة إنعاش، لكن خطة إنقاذ للاقتصاد". وقال "لا يمكن لأي مبادرة النجاح دون خلق مناخ من الثقة ورفع كل المعوقات". وينص قانون المالية لعام 2021 الذي لم يوقعه الرئيس عبد المجيد تبون، الذي يعالج في ألمانيا من إصابته بفيروس كورونا المستجد، على انخفاض احتياطات النقد الأجنبي إلى أقل من 47 مليار دولار في عام 2021، قبل الارتفاع التدريجي على مدار العامين التاليين. وبين 2014 و2019، تقلّصت هذه الاحتياطيات بنحو 65% حسب البنك المركزي. ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى ما يقرب من 75% في عام 2021. وقال منصور قديدير "كالعادة سوف نكرر نفس الممارسات: تخفيضات في الموازنة وقيود على الاستيراد وتجميد المشاريع الكبرى، وأضاف أن هذه الإجراءات "يمكن في أحسن الأحوال أن تؤخر بروز الأزمة، ولكن لبعض الوقت فقط. ولن يكون لها تأثير بدون إصلاح هيكلي للاقتصاد". وحذّر الخبير الاقتصادي محفوظ الكوابي في مقابلة مع صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية، بأن اللجوء إلى التمويل الخارجي سيكون "حتميا خلال 18 شهرا". ومن أجل خفض الإنفاق العام في الموازنة، اضطرت شركة النفط العملاقة "سوناطراك" إلى "تقليص نفقاتها واستثماراتها من 14 مليار دولار إلى 7 مليارات دولار من أجل الحفاظ على احتياطات النقد الأجنبي"، كما أوضح الخبير الاقتصادي رابح رغيس. وقال إنه "نتيجة لذلك، تم تأجيل العديد من المشاريع وتأثر نشاط الحفر"، الأمر الذي قد "يجبر" سوناطراك على تحمل الديون لإنهاء العام وامتصاص العجز. وأكد مصدر جزائري في وزارة الطاقة أن "تجميد" المشاريع وخفض مصاريف التشغيل والصيانة للمنشآت وخفض اليد العاملة بسبب الوباء، له تأثير سلبي على الإنتاج. ورأى قديدير أن "أغرب شيء في السياسة الحالية هو أننا ما زلنا نعتمد على ارتفاع أسعار النفط لتمويل الموازنة في حين أن مستوى إنتاج المحروقات آخذ في الانخفاض".