الجميع يعرف أن الصناعة الدوائية هي إحدى أكبر وأضخم الصناعات في العالم، ولا أحد قال إن هذه الشركات والمختبرات هي جمعيات للبر والإحسان، ويمكن للصحافيين والمعلقين والناس العاديين أن يسوقوا بعض الاتهامات لهذه الجهة أو تلك، لكن بالنسبة لمسؤول سياسي محاط بواجب التحفظ فعليه أن لا يروج إلا المعلومات الموثوقة والمتحقق من صدقيتها. خصوصًا إذا كان له نواب في المؤسسة التشريعية. حين تقول الدكتورة منيب «كيف لا يوجد دواء لهذا الفيروس؟ وكيف له بهذه الشراسة؟»، فعلى الإنسان ألا يتحدث في أشياء لا يعرفها. هناك فيروسات عمرها 30 إلى 40 سنة ولم يجد لها العلم حلا بعد. ثم عندما تتحدث عن الشراسة فبناء على ماذا تتحدث عن ذلك؟ ما نعرفه هو أن فيروس كورونا معدل الإماتة فيه بين 1 و2 في المائة. كورونا الشرق الأوسط كان يقتل 30 في المائة. إيبولا كذلك كان يقتل أكثر. وهذه الفيروسات هي التي يمكن وصفها بالشرسة، ومع ذلك لا أحد قال عنها إنها مصنوعة. لا يمكن أن نقول عن الفيروس إنه مصنوع لأنه شرس، الشراسة لا علاقة لها بالصنع. أما حديث الدكتورة حول اللقاحات ففيه خلط كبير وتعميم سطحي، وما يجب أن تعرفه الدكتورة أن اللقاحات وسيلة فعالة مهمة جدا نحمي بها الإنسانية ونحمي بها أبناءنا الذين يجب أن يستعملوها. أبناء المغاربة جميعهم يستعملون لقاحات ضد السل والطيطانوس وغيرها من الفيروسات، بل أكثر من هذا، الفئات التي تتوفر على الإمكانيات، مثل الدكتورة منيب، تلجأ إلى لقاحات أخرى ليست في متناول عموم الأطفال المغاربة، ويمكنها أن تطلع الرأي العام على دفتر التلقيح الخاص بأطفالها ليتأكد الجميع ما إن كانت استعملت اللقاحات أم لا. تكلمت الدكتورة منيب في الفيديو حول اللقاحات التي تسببت في شلل للأطفال في الهند، وهي حين قالت ذلك رمت بهذه المعلومة دون أن تخبرنا عما تتحدث بالضبط ودون أن تكشف عن مصدرها. وإذا كانت هي تجهل عما تتحدث فنحن سنبين لها وسنكشف لها من أين استقت مثل هذه الأخبار المغلوطة. ما قامت به الدكتورة في موضوع شلل الأطفال بالهند بسبب اللقاح ليس سوى اجترار لكلام تروجه فيديوهات تتداول على الأنترنيت وتتهم مؤسسة بيل غيتس بأنها كانت وراء لقاحات استعملتها بالهند وتسببت في شلل للأطفال وبأن الهند أوقفت هذه الشركة وطردت بيل غيتس. نحن نعرف أن بيل غيتس ليس ملاكا، ولكن هذا لا يمنعنا من القول إن هذا الخبر زائف ومصطنع، وأصبح معروفا أنه من الأخبار الزائفة، ويستعمله الأشخاص الذين يكذبون على الناس ويروجون الأكاذيب، ويلجؤون، مثل صاحبة الفيديو، إلى نظرية المؤامرة، لإقناع الناس بأفكارهم عندما تعوزهم الأدلة العلمية الموثقة. ويكفي القليل من البحث للتأكد من هذا الزيف والاختلاق. أولا، الحكومة الهندية أصدرت، بعد رواج هذه الإشاعات، بلاغا لا تنفي فيه فقط أنها لم تطرد المؤسسة، بل لتؤكد فيه أنها ما زالت تتعاون معها وتنجز برامج مشتركة، وتواصلان اشتغالهما بشكل عاد وطبيعي. هذا في ما يخص تكذيب الخبر الزائف الأول. ثانيا، لا توجد دراسة علمية تفيد بأن التلقيحات تسببت في شلل الأطفال. هذه ادعاءات يروجها هؤلاء للتغطية على كذبهم وتلفيقهم. وكثير من أصحاب نظرية المؤامرة يروجون مثل هذه الأخبار ليضمنوا حضورهم في وسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك تجدهم مهووسين بعدد المشاهدات، بل يلجؤون إلى ارتفاع نسبة المشاهدات للدفاع عن أنفسهم وتأكيد صحة ما يروجونه. تتباهى الدكتورة بأنها من الأوائل في المغرب الذين تحدثوا عن نظرية المؤامرة. لا يا «سيدة اليسار»، في المغرب يوجد كثيرون تحدثوا قبلك عن نظرية المؤامرة، يوجد كثيرون في بلدان أخرى يتحدثون من داخل نظرية المؤامرة. وفي العالم يوجد كثيرون يحيون ويعيشون بنظرية المؤامرة، في اليمين المتطرف في اليسار المتطرف والمتشددين، ويشكلون مهد هذه النظرية، في جميع الميادين وليس فقط في هذا الميدان. وهناك إلى اليوم من لا يزال يشكك في وصول الإنسان إلى القمر، وهناك من ألف كتابًا يؤكد فيه أنه لم تسقط أية طائرة قرب البنتاغون رغم أن العالم كله رأى حطام الطائرة. في المغرب، يوجد أشخاص كثيرون يؤمنون بنظرية المؤامرة في كل شيء، وقد رددوا هذا الكلام قبل أن تعيده «سيدة اليسار». ولكن، لأنها زعيمة حزب سياسي وأستاذة جامعية فإن الناس فوجئوا وصدموا وتساءلوا كيف تعتمد على الأخبار الكاذبة وتعمل على إشاعتها. ولهذه الأسباب وجه النائب البرلماني من حزبها سؤالا إلى رئيس الحكومة للتنبيه إلى خطورة ترديد مثل هذا الكلام على صحة الناس وعلى حياتهم. كيف لزعيمة حزب سياسي أن تأتي وتقول إن هناك جهات تخلق الداء وتخلق الدواء. هكذا ودون أن تقدم دليلًا علميا واحدًا على ما تقول. الله سبحانه وتعالى يخلق الداء والدواء. وإذا كانت الدكتورة منيب امرأة علمية كما تقول فقد كان عليها أن تقدم لنا ولو مثالا واحدا في تاريخ البشرية عن هذه الجهة التي خلقت الداء وخلقت الدواء. كل ما كان لديها من دليل لتعضد به ما قالته هو وصفها له بأنه «جملة مفيدة». نعم، من الناحية اللغوية ما قالته جملة مفيدة، ولكن من الناحية العلمية هو جملة بليدة. ولعل الخلط الكبير والخطير في ما قالته الدكتورة منيب هو عندما بدأت الحديث عن اللقاح. أولا، عندما تقول عن اللقاح «إننا حين نحقن جسم الإنسان به فإننا نعطيه المضادات حتى إذا جاءه الفيروس يستطيع أن يقضي عليه» فهذا خطأ كبير وفظيع. اللقاح ليس دوره هو إعطاء les anticorps، أو المضادات. اللقاح يتضمن أجزاء من الفيروس، إما حيا أو ميتا، وتحقن في جسم الإنسان، وتكون تلك الأجزاء مخففة ولا تتسبب في المرض، وتدفع الجسم لإنتاج المضادات. وحين يصاب الإنسان بالفيروس، يستطيع بفضل تلك المضادات أن يقتل الفيروس. إذن، في عملية حقن اللقاح لا تعطى les anticorps، وهذا أمر مؤسف جدا إذا كانت أستاذة جامعية في البيولوجيا تدرس الطلبة لا تفرق بين اللقاح للوقاية وبين العلاج. تقول الأستاذة إن اللقاحات جربت في الإنسانية، كما لو أن البشرية فئران تجارب. الجميع يعرف أن السيدة التي تتكلم استفادت من اللقاحات، وكذلك الشأن بالنسبة لأولادها استفادوا من اللقاحات جميعها، وكذلك أولاد أولادها سيستفيدون من اللقاحات كلها، لأن الإنسان يحمي نفسه، وهذه اللقاحات أنقذت ملايين البشر في العالم. وإذا تحدثنا فقط عن شلل الأطفال، سنعرف عدد الأفراد الذين لولا اللقاح ضد الشلل لكانوا مشلولين أو لكانوا في عداد المتوفين، لكن التلقيح الذي استفادوا منه أنقذهم من الشلل وأنقذهم من الموت وأنقذهم ومجتمعهم مما كان سيترتب عن شللهم. هذا فقط بالنسبة للقاح الشلل، دون أن نتكلم عن الكزاز والطيطانوس وعن أمراض أخرى مثل التهاب الكبد الفيروسي وأمراض أخرى. حين نقول إن الزيادات التي تزاد في اللقاحات les adjuvants، مثل الألومنيوم الذي تكلمت عنه الدكتورة منيب، تترسب في دماغ الإنسان وتتسبب في «التكلاخ»، يجب أن نعلم أن ملايير الأشخاص بمن فيهم صاحبة الفيديو تلقوا ومازالوا ملايير الجرع من اللقاح المدعم، ولو كان ذلك «يكلخ» ويخلق «الكلاخ» لكانت البشرية كلها «مكلخة». وعلينا أن نعرف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ ما يزيد عن 100 سنة وهي تستعمل الألومنيوم، ولو كان ما قالته صاحبة الفيديو صحيحا لكان مستوى «الكلاخ» الكبير في العالم هو الذي يوجد في أمريكا، ونحن نعرف أن أعلى عدد من العلماء الذين حصلوا على جائزة نوبل هم أمريكيون. مع الأسف هذا كلام تافه، لا معنى له ولا أساس. وإذا كان هناك «كلاخ» فهو ما نجده في هذا الفيديو أكثر مما سنجده في مكان آخر. وعلى سبيل التوضيح وخلافا لما قالته صاحبة الفيديو فإن الألومنيوم لا يتراكم في الجسم، فالنسبة المطلقة منه تخرج بعد سويعات أو أيام قليلة عبر عمل الكلي وتغادر الجسم. ثم إن الكمية التي توجد في جرعة اللقاح الواحدة صغيرة جدا، وأصغر بكثير من كمية الألومنيوم التي نتناولها في غذائنا بعشرات المرات. وقبل ذلك وبعده، لا توجد أية دراسة في العالم تفيد بأن اللقاح يتسبب في تخلف عقلي أو أنه ينقص من الذكاء.