شهدت اسبانيا، في الأيام القليلة الماضية، مظاهرات احتجاجية ضخمة تميزت بخروج عشرات الآلاف من الإسبان إلى شوارع المدن، خاصة الكبرى منها، للتنديد بسياسة التقشف، والخوصصة، والرشوة.. وتأتي هذه المظاهرات الكبرى بينما تعيش اسبانيا على إيقاع أزمة شديدة لم تنته منذ خمس سنوات، كما أنها تأتي على وقع فضيحة الرشوة المتورط فيها أحد أصهار الملك خوان كارلوس(إيناكي أوردانغران)الذي مثل أمام المحكمة بمايوركا للرد على اتهامات تتعلق بالغش الضريبي وتحويل أموال.
إلى جانب هذا، هناك فضيحة أخرى تلاحق "الحزب الشعبي" (الحزب الحاكم) حول ما يسمى ب"قضية الصناديق السوداء"، الأمر الذي دفع ماريانو راخوي، رئيس الحكومة ورئيس الحزب، إلى الدفاع عن نفسه، حيث اضطر لنشر وثائقه الضريبية، وهو ما لم يقنع المعارضة التي تقول أن أسئلة عديدة ما زالت بدون جواب.
في المقابل، نفى راخوي كل الاتهامات الموجهة إليه حول الرشوة، مما دفع المراقبين للشأن الاسباني إلى توقّع ربيع ساخن بين الحكومة والمعارضة، من المحتمل أن يؤدي إلى أزمة سياسية قد تؤثر على الحزب الشعبي، وقد تضعفه كثيرا في الاستحقاقات القادمة.
ورغم هذا، فلا أحد من الإسبان يقبل أن يفهم لماذا لم تتم مساءلة لويس بارسيناس، المسؤول عن مالية الحزب الشعبي، ولا إعفاؤه من مهامه، وهو المتورط في قضية"غورتل"، أي فضيحة الرشوة التي جرفت مسؤولين من الحزب المذكور ومقاولين استفادوا من تنازلات بخصوص الحصول على طلبات عروض عمومية.
كما يتساءل الإسبان لماذا هذه المحاباة إزاء شخص قام بتحويل ما لا يقل عن 22 مليون أورو إلى سويسرا، وكان مسؤولا عن مالية الحزب الشعبي منذ أكثر من عشرين سنة؟
الملاحظ أن وتيرة الاحتجاجات تتصاعد بينما مخططات التقشف تتوالى وتتعاقب في محاولة للتقليص من حدة أحد أهم وأكبر أوجه العجز التي تعاني منه الميزانية في منطقة الأورو، ويعتبر معدل البطالة (26% ) الأكثر ارتفاعا في أوربا،علما أن الاقتصاد الاسباني هو رابع اقتصاد على صعيد القارة الأوربية يمر بأزمة خانقة.
في هذه الأجواء المضطربة باسبانيا، تحل الذكرى 32 لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها أحد عناصر الحرس المدني الذي تمكن من التسلل إلى داخل البرلمان واحتجز برلمانيين كرهائن، مهددا بذلك التوجه الديمقراطي للبلاد بعد أربعة عقود من حكم النظام الفرنكوي.
نفس الأجواء تخيم اليوم على المشهد العام الذي بات مهددا بحدوث أزمة في النظام السياسي، ومن خلاله بالنظام الديمقراطي.