تكبّد الاقتصاد السعودي خسائر باهظة، خلال الفترة الأخيرة، في ظل تهاوي الإيرادات المالية بسبب انهيار أسعار النفط والإجراءات الاحترازية لفيروس كورونا وتداعياتها على مختلف القطاعات. وكشفت 5 مؤشرات سلبية عن واقع الأزمة الذي تعيشه أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وهي: تهاوي الاحتياطيات النقدية، وتفاقم العجز، وزيادة الديون إلى أرقام قياسية، وتراجع أرباح البنوك، وانكماش الاقتصاد. وحسب مراقبين، فإن خيارات السعودية محدودة في مواجهة أزمتها المالية وكل الحلول المطروحة تتراوح بين السحب من الاحتياطي أو الحصول على مزيد من القروض وهو ما سيؤدي في النهاية إلى تبخر أموال النفط التي جمعتها خلال السنوات الماضية. تهاوي الاحتياطي هوت احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي السعودي في مارس لأقل مستوى منذ عام 2011، في ظل اضطرار الحكومة على السحب منه لسد فجوة الإيرادات المالية الضخمة التي تعاني منها. وتواجه السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، تحدياً غير مسبوق هذا العام مع تسجيل أسعار النفط مستويات منخفضة تاريخية فيما يرجح أن تكبح تدابير لاحتواء انتشار فيروس كورونا وتيرة وحجم الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقالت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي)، أول أمس الثلاثاء، إن صافي الأصول الخارجية للمملكة نزل في مارس إلى نحو 1.775 تريليون ريال (473.33 مليار دولار) مقابل 1.865 تريليون ريال (497.33 مليار دولار) بنهاية شهر فبراير السابق له، متراجعة بنسبة 4.8 في المائة بما يعادل 89.7 مليار ريال (23.92 مليار دولار). وانخفضت استثمارات مؤسسة النقد السعودي في الأوراق المالية بالخارج، التي تمثل نحو 63 في المائة من إجمالي موجوداتها، بنسبة 7.1 في المائة (86 مليار ريال)، لتبلغ 1.122 تريليون ريال بنهاية الشهر الماضي، مقابل 1.208 تريليون ريال بنهاية الشهر السابق له. ويشير الانخفاض إلى أن المملكة تستخدم احتياطاتها الضخمة لتعويض الضرر الاقتصادي المترتب على انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الشديد لكافة القطاعات الاقتصادية غير النفطية بسبب فيروس كورونا. كما انخفض الاحتياطي العام للسعودية خلال شهر مارس عند 469.6 مليار ريال، وبنحو 1.2 مليار ريال مقارنة بشهر فبراير 2020، وفقاً لبيانات رسمية. وحساب الاحتياطي العام للدولة يحوّل إليه ما يتحقق من فائض في إيرادات الميزانية، ولا يجوز السحب منه إلا بمرسوم ملكي في حالات الضرورة القصوى المتعلقة بالمصالح العليا للدولة. عجز بدلاً من الفائض وقالت وزارة المالية، أمس الأربعاء، إن العجز في الربع الأول بلغ تسعة مليارات دولار، وعزت ذلك بصفة أساسية لانخفاض إيرادات النفط، مقابل فائض 7.4 مليارات دولار في الربع الأول من 2019. وتراجعت الإيرادات النفطية في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 24 في المئة على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار مما دفع إجمالي الإيرادات للتراجع 22 في المئة على أساس سنوي بحسب الوزارة. وسجلت السعودية أكثر من 20 ألف حالة إصابة بالفيروس حتى أول أمس الثلاثاء، و152 حالة وفاة. وتوقعت المملكة عجزاً قدره 50 مليار دولار، أو 6.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهي زيادة حادة من 131 مليار ريال (35 مليار دولار) العام الماضي. ولكن ذلك قبل تفشي فيروس كورونا وتهاوي أسعار النفط. وقال الجدعان إن العجز قد يصل إلى تسعة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ولكن بعض المحللين يتوقعون عجزاً ب 22 بالمئة عند سعر 30 دولاراً لبرميل النفط. وقال الجدعان الأسبوع الماضي إنه يتوقع أن يتسبب الوباء في تراجع النشاط في القطاع الخاص غير النفطي هذا العام وإن الحكومة قد تطلق إجراءات جديدة لدعم الاقتصاد بالإضافة إلى إجراءات تحفيز عاجلة بقيمة 32 مليار دولار في الشهر الماضي. وفي الشهر الماضي، رفعت الرياض سقف الدين إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي من 30 بالمئة. واقترضت المملكة بالفعل 12 مليار دولار من أسواق السندات العالمية هذا العام. انخفاض أرباح البنوك انخفضت الأرباح المجمعة للبنوك العاملة بالسعودية قبل الزكاة والضرائب خلال شهر مارس 2020 إلى نحو 3.98 مليارات ريال (1.09 مليار دولار)، وبنسبة انخفاض قدرها 21% مقارنة بأرباح نفس الشهر من عام 2019، والتي بلغت آنذاك نحو 5.06 مليارات ريال (1.35 مليار دولار)، وذلك وفقاً للنشرة الإحصائية الشهرية لمؤسسة النقد العربي السعودي لشهر مارس 2020، والصادرة أمس الثلاثاء. وكانت البنوك العاملة في السعودية قد سجلت انخفاضاً في أرباحها التراكمية منذ بداية العام 2020 لتصل إلى حوالي 13.67 مليار ريال، بنسبة انخفاض قدرها 2% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019 والتي بلغت نحو 13.9 مليار ريال. وتشمل الأرباح المجمعة نتائج 11 بنكاً مدرجاً في سوق الأسهم، وعدد من الفروع لبنوك أجنبية تعمل في المملكة. وفيما يخص الميزانية المجمعة للبنوك، سجلت موجودات البنوك العاملة في السعودية ارتفاعاً بنسبة 14% بنهاية شهر مارس 2020، لتصل إلى نحو 2724.6 مليار ريال. كما ارتفعت القروض المقدمة من البنوك والمصارف السعودية للقطاع الخاص بنهاية شهر مارس 2020، لتصل إلى 1633.5 مليار ريال، وذلك بارتفاع قدره 12%. ديون وقروض ويبدو أن السعودية على موعد مع زيادة قياسية للديون، إذ أعلنت الحكومة عن اعتزامها زيادة القروض بشكل كبير هذا العام لمواجهة تهاوي الإيرادات المالية. وأظهرت بيانات، نشرتها وزارة المالية على موقعها الإلكتروني مؤخراً، أن الديون المباشرة القائمة على الحكومة في 31 دجنبر 2019 بلغت 677.9 مليار ريال (180.8 مليار دولار)، منها 372.8 مليار ريال ديون محلية و305.2 مليار ريال (81.4 مليار دولار) ديون خارجية، مقابل ديون كلها محلية بلغت 142.2 مليار ريال نهاية 2015. وجراء تفاقم أزمة تهاوي الإيرادات النفطية لم تجد السعودية سوى اللجوء إلى الاقتراض المحلي والخارجي والسحب من الاحتياطي، إذ قال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، إن المملكة قد تقترض حوالى 26 مليار دولار إضافية هذا العام، وستسحب 32 مليار دولار كحد أقصى من احتياطياتها، لتمويل عجز في ميزانية الحكومة ناتج عن هبوط أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا. وأكد الجدعان، أن المملكة، أكبر مصدر للنفط في العالم، لديها القدرة المالية على التعامل مع التباطؤ الحالي في النشاط الاقتصادي الناجم عن إجراءات احتواء كوفيد-19، مثلما تغلبت في الماضي على أزمات أكثر حدة. ورفعت الرياض سقف الدين إلى 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من مستوى سابق عند 30 في المائة في مارس، بينما كان بنهاية دجنبر من العام 2019 عند 24.1 في المائة. وتصاعدت نسبة الدين من الناتج المحلي بمستويات قياسية منذ عام 2015، لتبلغ بنهاية العام الماضي 24.1 في المائة، بينما لم تتجاوز 1.6 في المائة في 2014. انكماش الناتج المحلي وتوقع "ستاندرد تشارترد"، في تقرير صدر الأسبوع الماضي، انكماش الناتج المحلي الإجمالي للسعودية 4.5% في 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط، في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 5%. وحسب مراقبين، فإن خيارات السعودية محدودة من أجل مساندة اقتصادها المنهك من تهاوي أسعار النفط عند مستويات قياسية وتراجع السياحة الدينية وتوقف معظم الأنشطة بسبب الإجراءات الاحترازية لكورونا، كما أنها تعتمد بشكل كبير على عوائد تصدير الخام في ظل فشل خطط تنويع الاقتصاد، التي روج لها وليّ العهد محمد بن سلمان طيلة السنوات الماضية. عن "العربي الجديد" بتصرف